كأنه طبيب يتفحص نبض مريضه.. حمل الشيخ عبود دلاعة كبيرة ذات خطوط خضراء بين يديه بكل رقة وأرهف السمع إليها وهو ينقرعلى قشرتها لمعرفة مدى نضجها. وبخبرته الطويلة يعرف هذا الشيخ الذي عمره 71 سنة ويقطن ببلدية الرواشد، بولاية ميلة، أن ”الدلاعة الناضجة تصدر صوتا مكتوما بينما يكون الصوت رنانا حينما تكون غير ناضجة”. ولا يترك الشيخ عبود في ذلك أي حظ لسكين البائع، الذي يرد على سؤال المشتري حول مدى جودة المنتوج بالتعبير عن استعداده لبط، الدلاعة أي اقتطاع جزء منها ليصدق ما يقول. وبطبيعة الحال لم يكن اختيار عبود الذي عمل طويلا في حقول الفلاحة والخضر ومساحات زراعة البطيخ على ضفاف الوادي الكبير و وادي النجا إلا صائبا كونه وضع يديه على ”درة لذيذة” ستزين مائدته الرمضانية. وفوق ذلك فقد اختار عبود الدلاعة الأكبر في الشاحنة القادمة للتو من عنابة ب10 كيلوغرامات من الوزن.. ”لا تتعجبوا من اختياري”.. يخاطب الرجل متهكمين معه كانوا يحيطون بالشاحنة من أجل شراء البضاعة.. رغم وزن الثمرة إلا أنها ستستهلك في ليلتين على الأكثر لأن هذه الفاكهة هي المفضلة أكثر لدى أفراد أسرتي وهناك عندي من يفطر بتناول قطعة باردة منها حبا في حلاوة ماء لبها اللذيذ”. وللشيخ عبود - كما يقول - طقوس خاصة في معاملة الدلاع ساعات قليلة قبل الإفطار، إذ عوضا عن وضع حبة الدلاع في الثلاجة كما يفعل الكثيرون، يلجأ لوضع الدلاعة في حوض مائي بارد يتوسط باحة منزله الريفي حتى ”يستفيد من برودة طبيعية غير مؤذية” كما يقول. وقبيل أذان المغرب المعلن عن انتهاء يوم صيام طويل تقوم ربة المنزل مثلما بقطع الدلاعة تبعا لعدد أفراد الأسرة، وحينها يتأكد حسن اختيار عبود أمام الحمرة الرائعة للمنتوج وتترك ما تبقى من الدلاعة للسهرة أو لليوم الموالي. وفي هذا الشهر الفضيل يظل الدلاع، كما يطلق على الثمرة الصيفية المعروفة أيضا باسم البطيخ الأحمر، الفاكهة المفضلة، حسبما ورد في آراء الكثير ممن التقت بهم ”الفجر” في محيط سوق ميلة للخضر والفواكه. وهنا تنافس شاحنات بعضها قادم حتى من عنابة وخنشلة وجيجل محلات الخضر والفواكه لبيع بضاعتها التي تجد من يشتريها بأسعار تتراوح بين 20 و30 دج للكلغ الواحد. ومن أهم عوامل الإقبال الكبير على الدلاع كما يؤكد من جهته علاوة (رب أسرة عمره 40 سنة) سعره التنافسي مقارنة بباقي الفواكه الأخرى ،إذ تكفي 150 دج لاقتناء فاكهة لذيذة بكمية معتبرة.