مكانة الجزائر العظمى أرضا وشعبا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ليست في حاجة على الإطلاق لصك اعتراف من الشرق أو الغرب، ولا شهادة من مشاهير الإعلام الجاد فضلا عن مرتزقة الإعلام الموجه؛ مكانة خطّها عبر حقب وجوده، شعبً أبيٌ بدماء وأرواح رجاله ونسائه، ورسم معلقة تعكس آيات التضحيات، بات يصلي لها سادة الدنيا، وفرض الجزائر محرابا تتوجه إليه قلوب الأحرار، وكعبة يطوف بها الثوار، ولن ينزع عنها صفات العظمة والمجد المُخلّد سفهاء وأغبياء، والحال أن الأعداء أنفسهم حاولوا فأنتهوا إلى حقيقة ملخصها، كلما أمعنوا في العداء للجزائر والكيد لشعبها، كلما ازدادت رفعة وعلوا. هذا الكلام ليس إنشائيا بل عقيدة قائمة على وقائع تاريخية، يبدو أن بعض الإخوة في المشرق العربي ينكرونها مكابرة أو جهلا تراكمت طبقاته، وإن كان هناك من عذر لهؤلاء بخصوص جهلهم تاريخ هذا الشعب المتميز، فلست أجد تبريرا لدى هؤلاء يفسر تعاميهم عن شخصيته، وأهم طباعها، وعن سلوكه الفردي والجمعي، الذي تبين للعالم إثر تجاربه المعاصرة الإنسانية الثرية، أيا كان توصيفها فقد أثبت الشعب الجزائري استقلاليته في قراراته وخياراته، وأثبت كذلك أن فرقاءه مهما احتدم الصراع بينهم، فالخط الأحمر لديهم جميعا الاستعانة بالأجنبي على حله، لعل هذا الخيار الناتج أصلا عن تجربة مريرة مع الأجنبي، هو الذي جنّب الجزائر ويلات كارثية تعانيها بعض الشعوب العربية الآن، أبت بعض نخبها الاستفادة من خبرة الجزائر، وأنكرت عليها مكانتها المرموقة. من بين هذه الوجوه الدكتور فيصل القاسم، شخصية سورية الأصل، بريطانية التكوين والاختصاص، قطرية الإقامة والسياسة، أتابع صفحته كغيره من الشخصيات المؤثرة في الرأي العام، وذلك في إطار عملي المركز على شؤون الشرق الأوسط، وما تقتضيه الكتابة في الصحف الدولية ( القدس العربي- رأي اليوم) من ضرورة الاطلاع والمتابعة لأدق التفاصيل، وصفحة الرجل تنضح بشكل مقزز بعبارات الشتم والسباب، والسخرية والاستهانة بالرأي المعاكس لصاحبها، وأخطر ما فيها إلحاحه حد القرف على ضرورة تدخل عسكري في سوريا، مستنفذا كل أدوات التذلل، مستثمرا جهده صورا بيانية أقرب للسريالية منها طبعا للواقع، من أجل بلوغ ذلكم الهدف، الذي يرى فيه ويا للمفارقة أصل الحرية والانعتاق؛ مع ما في الصفحة من مغالطات وقواعد مقلوبة، لم أر ضرورة للتعليق، لأن الرجل وبكل بساطة أختار له موقعا، لا يشرف الكاتب أن يضعه موضع من يستحق ذلك. لكني فوجئت يوم 25 من هذا الشهر بمنشور وضعه على صفحته، عبارة عن صورة مركبة (فوتوشوب)، تسخر من رئيس الجمهورية الجزائري وبعض رموز المؤسسة العسكرية، ومع أنني معارض لسياسة الرئيس وكذلكم المؤسسة العسكرية والأمنية، وعبرت عن رأيي في مقالات عديدة، غير أن طريقة طرح الدكتور كانت غاية في الاستفزاز، ومعبرة بحق ليس عن عدم المهنية فحسب، وإنما على مستوى أخلاقي وفكري أقل ما يصنفان به أنهما دونيان، ويعكسان حالة صاحبها المغرقة في الهذيان السياسي، والمصابة بهستيريا المعارضة الجهولة، وبكتيريا التخلف العقلي المتعفن؛ لا أنكر كما لا أحجر على أحد انتقاد شخصية بحجم رئيس الجمهورية الجزائرية، وقد تجاوزت من وصفها بالشخصية العامة، بتاريخها وعملها، إلى وصفها بشخصية دولية بامتياز، سواء اختلفنا معها في السياسة والمواقف أم اتفقنا، وأول من استفاد من هذا الحق كاتب المقال نفسه، لكن شريطة أن يكون النقد مؤسسا على صورة واقعية لا مفبركة ومركبة، ثم أن يكون الهدف من النقد مطابقا للعرض المعتمد، وأن يكون نقدا موضوعيا تنبني عباراته على ألفاظ منتخبة، ترقى إلى ذوق وعلم المتلقي، وتستجيب لرسالة الفكر، والتي هي علة الكتابة أصلا. ختاما، قد لا يعرف المعني بأن من أهم خصائص الشعب الجزائري، وإن كانت تبدو غير مفهومة هناك في المشرق ومستغربة، أنه يرفض بشكل قاطع التدخل في شؤونه من قبل أجنبي، ولن يسمح باستغلال وضعه أو ظروف عربية خاصة للحديث باسمه والتطاول على رموزه، بذريعة الديمقراطية وحرية التعبير، وليتذكر المعني بالمقال أن سلوكا كهذا مع الشعب الجزائري يأتي عادة بنتائج عكسية، عنوانها قول المتنبي: وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ مَنْ لي بفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدّعي أنْ يَحْسُبَ الهِنديَّ فيهِمْ باقِلُ [email protected]