كلما صدرت عن المملكة المغربية الشقيقة تصريحات تستهدف الجزائر، إلا وذهبنا نبحث في شأنها الداخلي عما يريد النظام المغربي التغطية عليه، أو الهروب من مواجهته بافتعال العداء للجزائر، المشجب الذي تعلق عليه المملكة عادة ضعفها في مواجهة الحراك الداخلي والأزمات الاجتماعية الدورية التي يعيشها المغرب من حين لآخر. نعم صرنا نمتلك شفرة تفسير التهجمات والتصريحات السافرة ضد بلادنا، إلى درجة لم يعد كلام السياسيين في المغرب يزعجنا ولا حتى يجبرنا على الرد، فما بالك بالتخوف من تنفيذ التهديدات، مثل تلك التي صرح بها زعيم حزب الاستقلال الذي دعا منذ فترة قليلة إلى احتلال أجزاء من التراب الجزائري على أساس أنها أراض مغربية ولابد من استرجاعها، فنحن نعرف أنها مجرد سحابة صيف عابرة لا مطر فيها. ووفاءً للمنطق الذي اعتدناه من ساسة الرباط منذ عدوان 1963 على بلادنا، حملت تصريحات بثتها وكالة الأنباء الرسمية المغربية أول أمس، تهجمات واتهامات للجزائر بالعداء ضد المغرب، لا لشيء إلا لأن رسالة رئيس الجمهورية في أبوجا، التي قرأها نيابة عنه وزير العدل، ذكّرت الإخوة الأفارقة بموقف الجزائر الثابت في دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ومطالبتها بتطبيق مبدأ حقوق الإنسان في الصحراء الغربية التي يتعرض شعبها ومناضليه دوريا إلى العنف الجسدي والاعتقالات، وهذا من خلال وضع آلية دولية للمتابعة والمراقبة. وعلى نفس المعزوفة رددت نفس الوكالة المغربية أن قضية الصحراء افتعلتها الجزائر خدمة لمصالحها ولطمعها في الهيمنة على المنطقة، مع أن الجميع يدرك أن القضية الصحراوية مطروحة في جدول الأممالمتحدة على أنها قضية تصفية استعمار، لكن المغرب ما زال منذ السبعينيات يراوغ ويتملص من ضرورة تنظيم استفتاء لحل القضية وما زال يذرف الدموع في المحافل الدولية، تساعده في ذلك بعض القوى التي لا تريد لمشاكل الجوار بين الجزائر والمغرب أن تحل حتى لا تعرف لا الجزائر ولا المغرب استقرارا ولا بناء وحدة مغاربية تطمح لها شعوب المنطقة. لكن ليست المشاكل الداخلية هي التي دفعت بالمغرب إلى التهجم على الجزائر وعلى رئيس الجمهورية، فالمغرب كان دائما يتحيّن الظروف الصعبة التي يعتقد أن الجزائر تمر بها، ويعتقد أيضا أنها نقاط ضعف يسارع لانتهازها لضرب الجزائر، فقد شجعه على هذه التصريحات الآن مرض الرئيس بوتفليقة، وأيضا صدق ما تروجه بعض وسائل الإعلام من أن الرئيس اتخذ قرارات أضعفت جهاز المخابرات العدو اللدود لنظام المخزن. ها هي أجهزة الاستعلامات التي حاربها نظام الملك عقوداً تقوّض أجنحتها في اعتقاده وليس أحسن من هذا الظرف الذي تتصارع فيه أطراف في السلطة على الحكم ليحقق الملك مكاسب سياسية على حساب الجار المنهك، دائما في مفهوم المملكة. صحيح أن الرئيس مريض، لكن هناك مؤسسات تعمل وحكومة موجودة في كل الميادين، بغض النظر عن أدائها وعدم رضا المواطن داخليا عليها، والمخابرات لم تضعف وليس في مصلحة رئيس الجمهورية إضعافها، فقوة الجزائر إقليميا وقوتها في هذه القضية بالذات هي في قوة استعلاماتها، كل ما في الأمر أن الرئيس أدخل تعديلات على المؤسسة وفق ما تتطلبه المرحلة بعد رفع حالة الطوارئ التي تلزم هذا الجهاز التدخل في بعض الصلاحيات وفق ما يتطلبه قانون الطوارئ، وها هو الرئيس بهذه الإجراءات يبعد عن جهاز المخابرات البلبلة التي كانت تثار حوله، وتسكت الانتقادات الموجهة إليه داخليا وخارجيا. ثم قد يختلف الرئيس ومؤسسات الجمهورية الأخرى على خيارات ما مثل خيار الرئاسيات المقبلة، ولكنهم أبدا لن يختلفوا حول مصلحة الجزائر وحول مواقفها من القضايا الدولية التي هي ثوابت راسخة في قناعات ومبادئ الجزائريين وليست فقط قناعة الحكام، لا أبدا، لن يختلفوا على أمن الجزائر الذي قد تهدده أطماع مغربية مثل تلك التي تحدّث عنها زعيم حزب الاستقلال المغربي. لكن لا بأس، ها هو الوضع الداخلي الذي يعتقد المغرب أنه هشّ وضعيف يكشف مرة أخرى عن النوايا الحقيقية للنظام المغربي وإن كنا في الحقيقة نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب. أضم صوتي إلى صوت وزير خارجيتنا، وأتمنى أن تكون هذه آخر مرة نقرأ ونسمع فيها كلاما مشينا صادرا عن النظام المغربي، فهذه التصريحات والاتهامات لن تخدم شعوب المنطقة وتطلعها إلى وحدة حقيقية ولفتح الحدود للتقارب بينها.