من المفارقات المحزنة في فترة رئاسة باراك أوباما أن يضطر الرجل الذي أراد إصلاح علاقات الولاياتالمتحدة بالخارج، إلى التأقلم مع التوترات الجديدة المدمرة مع حلفاء واشنطن في أعقاب تسريبات إدوارد سنودن بشأن عمليات المراقبة التي تجريها وكالة الأمن القومي في الخارج. كانت التسريبات بالنسبة للبيت الأبيض أشبه بالهاوية، فلا يعرف المسؤولون كم المعلومات التي استولى عليها سنودن من الملفات السرية، أو كم المعلومات التي ربما يكون قد خبأها في ”سحابة” التخزين المشفرة. ربما يتمكن المسؤولون من جرد الوثائق التي اطلع عليها، ولكنهم لا يعرفون بالضرورة ما إذا كان قد قام بتحميلها والاحتفاظ بها. ولذا فإنه من الصعوبة بمكان التصدي لفضيحة إذا كنت لا تعرف عواقبها. وبينما يفكر أوباما في سبل للحد من الأضرار واستعادة الثقة بين حلفاء الولاياتالمتحدة في الخارج، قيل إنه يدرس بعض الاحتمالات المثيرة للاهتمام، بما في ذلك حماية خصوصية الأجانب. إحدى الأفكار تتمثل في تطبيق الحد الأدنى من إجراءات مراقبة الأجانب التي تستخدمها وكالة الأمن القومي، لحماية هويات الأفراد الأميركيين، من الناحية النظرية، الذين جرى جمع معلومات عنهم، ولكنهم ليسوا هدفا لأي تحقيق متعلق بالإرهاب أو أي تحقيق جنائي. وإذا قدمت الولاياتالمتحدة تعهدات محدودة ذات مصداقية للأجانب، فلن يجري الوصول قانونيا إلى محتوى رسائلهم الشخصية، حتى وإن جرى الحصول على سجلات المكالمات ذاتها. مجرد النظر في هذه المسألة يثير قلق مسؤولي الاستخبارات الأميركية، الذين ردوا لسنوات على الاستفسارات حول قضايا الخصوصية بنفي مداهن. وسوف يقول المسؤولون ”إن التعديل الرابع لا ينطبق على الأجانب”. والسر الصغير (لم يعد سرا) هو أن مهمة وكالات التجسس الأساسية هي انتهاك الحدود وقوانين الدول الأخرى لجمع المعلومات، فالولاياتالمتحدة تدعم حقوق الخصوصية الدولية، في وثائق مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، ولكنها، مثل معظم الدول، تقوم بذلك سرا. وإحدى سبل إدارة أوباما للحد من فضيحة وكالة الأمن القومي تبني مبادرة دولية جديدة لتأخذ حقوق الخصوصية على محمل الجد. ويعد التعديل الرابع بأن ”لا ينتهك حق الشعب في أن يكونوا آمنين في أنفسهم ومنازلهم، وأوراقهم، ضد عمليات التفتيش وعمليات المصادرة غير المبررة”. كيف يمكن أن تمتد روح هذا الوعد إلى مواطني البلدان الأخرى؟ بمجرد البدء في التفكير في القيود القانونية على التطفل الخارجي للولايات المتحدة، تثور أسئلة معقدة. هل ستطبق هذه القيود على جميع الأجانب، أم لبعض البلدان فقط؟ هل ستطبق على الدول الديمقراطية التي توفر لمواطنيها حقوق الإنسان؟ هل ستطبق على الحلفاء، كمكافأة؟ هل ستصر الولاياتالمتحدة على ضمانات متبادلة؟ وكيف ستكون هذه التعهدات ذات مصداقية، نظرا لأن الاستخبارات تتعلق بالقيام بكل شيء بطريقة يمكن إنكارها. ويتساءل صديقي غاريث إيبس، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بالتيمور، في مناقشة التعديل الرابع في كتابه الجديد، ”ملحمة أميركية”، الذي يتناول سطرا سطرا ما يقوله الدستور في الواقع: ”هل سيكون هناك فئتان من الناس في المجتمع؟ أولئك الذين (يستحقون) الحقوق، ويحصلون عليها، ومن لا يستحقونها؟” ويصب سؤاله حول من يحق له حماية الخصوصية في قلب لغز وكالة الأمن القومي. إصلاح ما بعد سنودن الأقل تعقيدا الذي يمعن البيت الأبيض النظر فيه هو تطبيق تحليل أكثر صرامة للتكاليف والفوائد لجمع المعلومات الاستخبارية في الدول الصديقة. ما المعلومات التي تحتاج الولاياتالمتحدة حقا إلى أن تعرفها من، على سبيل المثال، ألمانياوفرنسا، وما هي المعلومات غير الضرورية؟ وهل حصلت الولاياتالمتحدة على أي معلومات ذات قيمة من التنصت على جوال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يمكن أن تبرر المخاطر السياسية المحتملة؟ الجواب هو بالتأكيد لا، ولكن وكالة الأمن القومي كانت تعمل بمفردها عندما بدأت عملية الجمع. التي توقفت كليا الآن. اللغز الأخير يتمثل في زيادة تبادل المعلومات الاستخبارية التي جمعتها وكالة الأمن القومي مع الحلفاء المنزعجين مثل فرنساوألمانيا. قد يبدو ذلك محيرا، نتيجة لكل هذه الشكاوى الساخطة من تلك الدول. لكن كبار مسؤوليها يعرفون مدى قيمة معلومات وكالة الأمن القومي، وأنها تريد المزيد من كل ما جرى جمعه بصورة قانونية، حتى وإن كانوا لا يقولون ذلك علنا. في الواقع، إن السبب الحقيقي لاستياء الدول الأوروبية والآسيوية الصديقة يرجع إلى تبادل الولاياتالمتحدة المعلومات الاستخباراتية مع بريطانيا والبلدان الناطقة بالإنجليزية الأخرى - التي تعرف باسم ”العيون الخمس”. العامل الذي يثير التعقيد هنا هو أن الولاياتالمتحدة، وربما بصورة متناقضة بالنظر إلى تسريبات سنودن، أكثر انفتاحا في الإشراف العام ومناقشة الاستخبارات أكثر من أي بلد آخر تقريبا. فهناك الكثير من الدول الأوروبية، لا تناقش فيها أسرار المخابرات بشكل علني، وهذا الخلل يجعل الحوار بعد سنودن صعبا.