إسرائيل قلقة وغير مطمئنة لخطة أميركية ضد سوريا تقضي بتوجيه ضربات جراحية ومحددة، من دون الدخول في حرب شاملة. ما تريده إسرائيل هو إما حرب تنتهي بهجوم بري كاسح - وهذا مستحيل في الوقت الحالي - أو انتظار المزيد من الوقت وترك الطبخة السورية تنضج على نار هادئة. ورغم الهلع الذي يبديه سكان إسرائيل وهجومهم على مراكز توزيع الأقنعة الواقية من الغازات، وتجهيز الملاجئ، وتحضير مراكز الإسعاف، فإن المسؤولين اكتفوا باستدعاء بعض الاحتياط، واتخاذ عدة إجراءات أولية، نظرا لعدم حماسهم لدخول حرب لا يرون أنها تحقق لهم شيئا يذكر، على الأرض. رغم الحشود العسكرية في المتوسط، وتسابق المدمرات والطائرات الأميركية والأوروبية، التي توحي بأن حربا كبيرة ستقع، فإن أطرافا كثيرة من المفترض أنها متباغضة - بينها إسرائيل وحزب الله وروسيا - تعد المس بالتوازنات القائمة سيشكل خطرا داهما على مصالحها، وسيقوي خصمها المشترك، ألا وهو تنظيم القاعدة، والتيارات التكفيرية. ولكل طرف بطبيعة الحال حساباته الخاصة، ووجهة نظره. تنظر إسرائيل بعين الريبة والقلق للتقارب الإيراني - الأميركي، والاجتماعات المتكررة التي حدثت أخيرا، بين مسؤولين إيرانيين ومبعوثين أميركيين، وترى أن الجهود الحربية التي تبذل في سوريا تشغل المجتمع الدولي عن الاهتمام بالخطر الحقيقي وهو إيران وبرنامجها النووي. وتعد إسرائيل الخطوة الأميركية العسكرية تضييعا للوقت بحليف إيران السوري (الصغير) الذي يتلقى ضربات داخلية كافية لإضعافه، لا.. بل تركيعه بمرور الوقت. وإذ لا تخشى إسرائيل أي هجوم سوري على حدودها من قبل نظام بشار الأسد الذي لم يطلق رصاصة واحدة باتجاهها منذ عام 1973، فهي ترى أن إيران هي المنبع والمزود بالأسلحة، والخطط الاستراتيجية، وأن الحل يكون بالتوجه إلى الأصل وليس هدر الجهود بالفرع، وبالتدخل بحرب أهلية سورية لا تعني سوى أصحابها. وقد بعثت إسرائيل وفدا عسكريا واستخباراتيا رفيع المستوى إلى واشنطن منذ أيام، ضم من بين أعضائه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب أميدرور، بهدف الاطلاع على الخطط الأميركية للهجوم على سوريا، وشرح وجهة نظر إسرائيل التي تفضل أن تبقى بعيدة عن المشاركة في حرب من هذا النوع، تعدها غير مجدية. من هنا فإن ضربة لسوريا، إن هي حصلت فستبقى محدودة وغير طويلة الأمد، مراعاة لرغبات العديد من الأطراف الإقليمية، التي باتت مصالحها متشابكة في النزاع السوري، لا سيما إسرائيل، وروسيا التي ما تزال متمسكة بالنظام. لهذا كان واضحا منذ البدء، على لسان المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، أن أي عملية عسكرية سيكون هدفها الأساسي هو ردع النظام السوري وتأديبه، وخفض إمكاناته العسكرية وليس استبداله، لأن البديل، بطبيعة الحال، ليس جاهزا. وهنا نعود مرة جديدة لمأساة المعارضة السورية المتشظية، والتي لم تعط، بسبب فسادها وتشرذمها، حتى الانطباع بأنها يمكن أن تنتج هيئة جدية تمثل السوريين، وتشكل بديلا للنظام. ومن سوء حظ الشعب السوري، الذي يبدو أنه وحده من سيدفع الثمن بصرف النظر عن السيناريوهات التي تكتبها القوى الكبرى، فإن ثمة اقتناعا، عند إسرائيل وغيرها، بأن ضربة ماحقة تطيح بالنظام في الوقت الحالي، ستجعل الوريث الوحيد له هو الحركات الإسلامية التكفيرية. وإذا كانت إسرائيل لا تمانع نشاط ”القاعدة”، لا بل تشجعه، حين يترجم سيارات مفخخة تودي بحياة آلاف العراقيين والسوريين أو حتى اللبنانيين، فهي لا تريد أن ترى هذه الحركات وقد أصبحت على حدودها، وهو ما تتفهمه الدول الغربية وتراعيه. الضربة الأميركية لسوريا هذه المرة، إن هي وقعت بالفعل فستكون الهجوم الغربي المباشر، التاسع على دولة عربية وإسلامية في غضون 15 سنة. حروب لم تخرج منها أميركا بصفحة ناصعة، وحين ”تجوجل” إسرائيل نتائج هذه الحروب، تجد أنها إما انتهت لصالح النظام الإيراني كما حدث في العراق أو أنها زادت من نفوذ التيارات التكفيرية كما هو الحال في أفغانستان وليبيا، وهو ما تخيم ظلاله في سوريا. أي ضربة قوية وطويلة لسوريا، ستأتي بنتائج إنسانية كارثية، بحسب دراسة أميركية أجريت منذ ما يقارب العام، خلصت إلى أن عدد الضحايا على يد النظام فقط، يمكن أن يرتفع إلى ما يقارب 40 في المائة، لأن أي طرف يشعر بأن قواه بدأت تخور، يستشرس ويزداد عنفا، من دون أن يعبأ بعدد المدنيين الذين يتساقطون في مثل هذه الحالات. وبحسب البحاثة ريد وود، وجاكوب كاتمان، وستيفان جنت، الذين أجروا هذه الدراسة، فإن التدخل العسكري الخارجي في نزاعات أهلية، لصالح فئة حكومية أو متمردة، ولقلب المعادلات على الأرض، غالبا ما يأتي بنتائج دموية، يدفع ثمنها المدنيون. الأطراف الإقليمية المعنية مباشرة بما يحدث في سوريا، ومنها حزب الله وإسرائيل، ستسكت على الأرجح في حال بقيت الضربة في حدود، تحفظ التوازنات الحالية. أما لحظة ترتج المعادلة لصالح أي طرف، على حساب الآخر، فإن كل السيناريوهات المرعبة لحرب موسعة، قذرة ومدمرة، ستكون محتملة جدا. وهذا ما يجعل أهل المنطقة برمتهم يحبسون الأنفاس.