بينت آيات كثيرة أن للإنسان قبل أن يعرف الله عز وجل سقطات، ضعفٌ شديدٌ، وحرصٌ بالغٌ، وشحٌ قاتلٌ، وخوفٌ وهلعٌ، أما إذا عرف الله عز وجل واستقام على أمره فله خصائص أخرى يقول تعالى: ”إنَّ الإنسان خُلقَ هَلوعاً، إذا مسَّه الشَّرُّ جزوعاً، وإذا مسَّه الخير مَنوعاً إلا إنه قبل معرفة الله جحودٌ كنودٌ كفور، إن أصابته نعمة أعرض، ونأى بجانبه، أعرض عن الله، واستغنى عنه، وكفر بأنعمه عليه، وزعم أن كل ذلك كان بعلمه..” إنما أوتِيتُهُ على علمٍ عِندي”(القصص)،وهذا دأب كثيرٍ من الناس في أيامنا هذه للأسف الشديد..” وإذا مسَّه الشَّرُّ كان يئوسًا”(الإسراء) متضجراً، حزيناً، متسَّخطاً، يائساً قنوطاً، زاعماً أن الله لم يعطه في الحياة ما يستحق شاكاً بعدالة الله عز وجل، كأن يقول البعض إنّ اَلله يعطي اللحم لمن ليس له أسنان، وكأنهم يشكُّون في حكمته جلَّ شأنه، لكنه إذا وقع في حرجٍ، وأحاطت به المخاوف من كل جهةِ لجأ إلى الله، بدعاءٍ عريضٍ رافعاً صوته، يسأله ويعاهدُه أنه سيكون من الشاكرين. فإذا استجاب الله له ورحمه نقض عهده، وأخذ يعلل نجاته بأسباب أرضية، وعاد إلى سيرته الأولى .. إن الإنسان إن لم يعرف ربه لعِبت به غرائزه، ونظر إلى لحظته الراهنة فقط، وهذا من ضعف التفكير ..يقول تعالى: ”ولَئِن أَذَقناَ الإِنسَان مِنَّا رحمةً ”(هود) أخي القارئ الرحمة مطلقة، الصحة رحمة، الأولاد رحمة، والزوجة رحمة، حتى الراتب الذي تتقاضاه رحمة.. ”ولَئِن أذَقنَا الإنسانَ رحمةً ثمَّ نزعناها مِنهُ إنَّه ليؤوسٌ كفورٌ”(هود) هذا هو ضعيف الإيمان، أو من خلا قلبه من الإيمان عند المصائب لا يثق برحمة الله عز وجل، كأنه يرى المصيبة أكبر من قدرة الله عز وجل، فاليأس والقنوط يلازمان الكفر، وفي الحد الأدنى ضعف اليقين يقول تعالى: ”ولئن أذقناهُ نعماءَ بعدَ ضرَّاءَ مسَّتهُ ليَقُولَنَّ ذهَبَ السَّيِئات عَنِّي، إنَّه لَفَرِحٌ فخورٌ”(هود) أي أن اللَّه إذا أنعم على الإنسان بنعمةٍ ثانيةٍ كان قد فقدها، ينسى اللهَ عز وجل ويفرح فرحًا شديداً يخرجه عن طاعته يقول تعالى: ”ومن النَّاس من يعبدُ الله على حرفٍ، فإن أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وجْهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا والأخرةَ، ذلك هو الخُسرَان المبينُ”(الحج) ولكن الله جل جلاله الحكيم استثنى من ذلك عباده الصالحين قائلا: ”إلاَّ الذين صبرُوا وعَمِلوا الصالحات أولئك لهم مَّغفِرَةٌ وأجْرٌ كَبيرٌ”(هود) المؤمن ثقته برحمة الله كبيرة والأطباء في أيامنا هذه يرون أن معنويات المريض العالية تعين العضوية على الشفاء، بل إن أحدث النظريات تقول إنَّ أحد أهم أسباب ضعف جهاز المناعة الصدمات النفسية، غير أن الموَّحد له مع الله حال عجيب، إذ يقول محمد عليه الصلاة والسلام: ”عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر، وكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” أخي الإنسان إذا كانت فطرتك تعرف أنه لا إله إلا الله، فلماذا في وقت الرخاء تدعو غيره؟!يقول تعالى: ”وإذا مَّسكُمُ الضُّرُّ في البَحْرِ ضلَّ مَن تدعُونَ إلاَّ إِيَّاه”(الاسراء) إن أيَّ إنسان ألمَّت به مُلِّمة لن يجد غير الله يدعوه ..”فلمَّا نجَّاكم إلى البَرِّ أعرضتُم، وكانَ الإنسانُ كفُوراً، أَفأمِنتُم أن يَخْسِفَ بِكُم جَانِبَ البَرِّ”(الاسراء) فمن قال أن البر أكثر ضماناً من البحر والجو؟! إن الإنسان المؤمن العاقل دائما يعترف أنه معافى بفضل الله، سليم بنعمته، لا فرق عنده بين البر والبحر والجو لأن كلاهما في قدرة الله سواء. وفي مشهد آخر يقول تعالى: ”فإذا مسَّ الإنسانَ ضرٌ دعاناَ ثمَ إذا خوَّلناه نِعمةً مِّنا قالَ إنَّما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلم، بل هي فتنةٌ”(الزمر) لقد فتن وما شعر.. ”بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون”(الزمر) أي أنَّ هذه النعمة ليست نعمة وإنما هي فتنة، إلا إّذا أنفقتها في طاعة الله، لماذا؟ لأنه بذلك سيعود عليك خيرها يوم القيامة، في الحياة الباقية، إنها جنَّة الخلد، أما إذا استهلكتها استهلاكاً رخيصاً، وانتهى مفعولها أصبحت نعمة منقطعةً زائلة.. يقول تعالى: ”قل متاعُ الدُّنيا قليلٌ”(النساء) ويقول: ”ولكنَّ أكثرهُم لا يعلمونَ، قد قالها الذينَ من قبلهِم فما أغنى عنْهُم مَّا كانوا يكسِبُونَ، فأصابَهُمْ سيِّئاتُ ما كَسَبوا وما هم بِمُعجِزينَ”(الزمر). إن فيما حدث للأقوام السابقة لعبرة لمن يعتبر.. فهل استطاع هؤلاء النفاذ من قبضة الله عز وجل؟! أخي الفاضل لا تعش للدنيا فقط لأن هناك موت وبعد الموت حساب.. من رسائل النور: لبديع الزمان النورسي، الكلمات (بتصرف)