لماذا جاء كيري إلى الجزائر في هذا الظرف بالذات؟ سؤال لم تقنعنا كل الإجابات والتحليلات المتداولة في الساحة الإعلامية بالرد عليه. لكن من الواضح أن تزامن زيارته مع أمير قطر ليس بريئا، وبقاؤه 48 ساعة في الجزائر مع أجندة تتزاحم بها المواعيد، يجعلنا نقول إن مجيء كيري لم يكن للتصويت لصالح الرجل المريض مثلما يحاول محيطه التأكيد عليه واستغلاله لصالحه في حملة انتخابية فاشلة، وإنما جاء لما هو أهم بالنسبة لبلاده، وما هو أهم ليس التأكيد على أن تكون انتخاباتنا نظيفة ونزيهة وفق المعايير الدولية مثلما “أمر” بذلك كيري وحاولت وكالة الأنباء الجزائرية تأويلها، وإنما الأهم بالنسبة لبلاده هو كيف يستغل ضعف بوتفليقة ورغبته الشديدة في البقاء في السلطة ليفتك منه المزيد من التنازلات بالنسبة للقضايا التي تهم أمريكا، ومنها الضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحه أمريكا وإسرائيل في مفاوضات السلام المؤجلة، وتنازلات لصالح المغرب فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، وأيضا تنازلات في الساحل، أو إن شئت خوض الحروب الأمريكية في منطقة الساحل بالجيش والسلاح الجزائري لتكون الجزائر بكل إمكانياتها في خدمة السياسة الأمريكية في المنطقة. والأهم من هذا كله جاء رفقه حليفه القطري، لضمان تموين أوروبا بالغاز للاستغناء عن الغاز الروسي بعد الأزمة الأوكرانية وما خلفته من صراع أوروبي روسي حتى لا تشهر روسيا سلاح الغاز في وجه أوروبا. لكن الأكيد أن كيري لم يقابل الرئيس المترشح فقط، وإنما قابل شخصيات كثيرة أخرى، وتأكد أن بوتفليقة لا يمكنه أن يمنحه هذه الضمانات التي يبحث عنها كيري، فقد شاهد كيري بأم عينيه رجلا مريضا لا يقوى على الكلام ولا الوقوف، ولم تغب عن كاتب الدولة الأمريكية المسرحية سيئة الإخراج التي حضرها، وفهم أن مستقبل بوتفليقة في الحكم غير مضمون، وحتى وإن فاز بالانتخابات، فليس هو من سيحكم، وأن مرضه أضعفه وأضعف بالتالي قراراته. رأي كيري أن بوتفليقة ما هو إلا شبح تختفي وراءه مافيا سياسية، وبالتالي لم يغامر الرجل ولم يضع ورقة أمريكا في خانة التصويت لرئيس رهينة محيطه، رئيس هو صورة ممسوخة للوضع المأساوي التي تعيشه الجزائر لا غير. هذا هو الانطباع الذي سيعود به كيري إلا بلاده. وهو أن بوتفليقة ليس من يحكم الجزائر، وبالتالي فليس من مصلحة أمريكا أن تغامر مع رجل لا يتحكم في جسمه فكيف يضمن مصالح الغير. نعم الرئيس المترشح الذي لم يقف إلى شعبه ولم يسع حتى لحضور انطلاق حملته الانتخابية، وقف “مرغما” لاستقبال المبعوث الأمريكي، وحاول من خلال الصورة وما رافقها من تعاليق أن الرئيس وقف على رجليه وتكلم مطولا مع كيري، إرسال رسالة إلى خصوم بوتفليقة والشعب الجزائري، أنه بخير وأن أمريكا تدعمه، مستثمرين مثلما قلت في زيارة دافعها الأساسي الطمع الأمريكي. لكن الرسالة التي وصلت إلى الجزائريين هي أن الرئيس الذي خرج الشارع الجزائري رافضا ترشحه يحاول الاستقواء بالخارج، وهو الذي يشجع على التدخل الأجنبي في البلاد وليس الخصوم. ومجرد الاستقواء بأمريكاوقطر مرفوض شعبيا، فأمريكا ليست صديقة إلا لمصلحتها، وعن قطر لا أحد يجهل دورها التخريبي في الوطن العربي بوقوفها وراء ما أسمته الربيع العربي، الذي يتهم خصوم بوتفليقة اليوم بأنهم يريدون الفوضى في البلاد وإعادتها إلى سنوات الدم. زيارة كيري كشفت الوجه الحقيقي لنظام بوتفليقة وسجلت ضده نقاطا سلبية عكس ما كان يأمل!؟