أثار تسجيل صوتي منسوب لمُقرّبين من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، ومدير مكتب قناة ”الجزيرة” القطرية ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية الليبية، واستياء وسخطًا شديدين لدى أهالي مدينة بنغازي لما تضمّنه من تآمر على أمن ليبيا، وسعي لاستباحة عرض الليبيات. استنادا إلى معلومات نشرتها صحيفة العرب اللندنية، يُظهر هذا التسجيل تآمر الدوحة على عملية ”كرامة ليبيا” التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فيما تزايدت الأصوات الغاضبة على الدور التخريبي الذي تلعبه قطر في ليبيا من خلال دعمها ميليشيات مسلحة مقربة من جماعة ”الإخوان”. وقد أكد التسجيل الصوتي المُسرب الذي بثته قناة ”ليبيا أولاً” التلفزيونية، تورط قطر في دعم الميليشيات المُسلحة الليبية لحماية جماعة ”الإخوان”، حيث تم رصد مكالمة بين سالم الصبحي المغربي، رئيس المجلس المحلي لمدينة إجدابيا الليبية، وشخص آخر يدعى حسين الجازوري عضو سابق بالجماعة الإسلامية المقاتلة، ومدير مكتب قناة ”الجزيرة” في ليبيا عبدا لعظيم محمد. ويظهر التسجيل طلب سالم الصبحي من الوسيط القطري دعمه ب”المال والسلاح عن طريق الدوحة، بعيدًا عن عبدالكريم بلحاج قائد الجماعة الإسلامية المقاتلة”. ويُبرز التسجيل الصوتي المُسرّب وصف صالح الصبحي المغربي، قبيلته ”المغاربة” التي تتواجد في أجدابيا ب”البدو” الذين ”يمكن شراؤهم بالمال والسلاح القطري، مقابل دعم ”الإخوان”، ومحاربة قوات اللواء خليفة حفتر”. وبحسب التسجيل، فإن صالح الصبحي المغربي وعد الوسيط القطري بالاستيلاء على مطار ”بنينا” بمدينة بنغازي. ويُبرز تدخل حسين الجازوري خلال المكالمة الهاتفية، حيث اشتكى لمدير قناة ”الجزيرة” بطرابلس عبدالعظيم محمد، من ”عدم اهتمام عبد الكريم بلحاج، بسكان إجدابيا، وعدم مدّهم بالمال والسلاح الذي يحصل عليه من الدوحة”. ويكشف التسجيل بعدًا خطيرًا، عندما طلب الوسيط القطري من مخاطبه ”تمكينه من فتاة ليبية عذراء على أن تكون شرقاوية، أي من الشرق الليبي، مقابل إبلاغ الدوحة بالأمر، ليرد ”الجازوري” عليه بسؤاله حول الفتاة التي تم إرسالها له في وقت سابق. وأثار هذا الجزء من التسجيل الصوتي المُسرّب غضب أهالي الشرق الليبي، حيث خرج الآلاف من الليبيين في مدينة بنغازي في مسيرة منددة بانتهاك عرض الليبيات، كما هاجموا مكتب ”الجزيرة” وبعثروا محتوياته. وقالت مصادر متطابقة إن المحتجين الغاضبين اقتحموا مساء الخميس مكتب ”الجزيرة” في بنغازي، وقاموا بإلقاء جميع محتوياته ومعداته خارجًا. ولفتت إلى أن مكتب ”الجزيرة” بطرابلس، نقل أمس موظفيه ومعداته إلى مكان آخر غير معلوم، وذلك لتفادي ردة فعل الليبيين. وكانت قناة ”الجزيرة” قد سارعت إلى نفي تورط مدير مكتبها بالعاصمة الليبية في هذا الأمر، كما شككت في بيان نشرته أمس على صفحتها الرسمية في صدقية هذا التسجيل الصوتي المُسرّب. غير أن الصحفي مالك الشريف الذي قام بتسريب هذا التسجيل أكد صحته، وقال في تصريحات نُشرت أمس، إن أهالي مدينة ”إجدابيا” يعرفون الرجل الذي في المكالمة ويقصد به صالح الصبحي. وكان وزير الداخلية الليبي صالح مازق اتهم قطر في وقت سابق بضلوعها في ضرب أمن بلاده، واعتبر أنها تجاوزت حدودها، وبات يتعين إيقافها عند حدها. وقال مازق في تصريحات بثتها فضائية عربية: إنّ ”دولتين أو ثلاث دول تمول الإرهاب في ليبيا منها دول عربية”. وأكد مازق أن دولة قطر ”تقدم مساعدات تضر بالأمن الليبي”، مضيفا أنها ”تجاوزت حدودها وعليها أن تقف عند حدها”. ولم يوضح الوزير الليبي طبيعة المساعدات القطرية التي تضر بأمن ليبيا، غير أن المراقبين ربطوا ذلك بالدعم الذي تقدمه السلطات القطرية لجماعة الإخوان والميليشيات التي تدور في فلكها. وكان هذا الدعم، الذي اتخذ أشكالا متنوعة، مالية وعسكرية، قد أثار استياء الأوساط السياسية الليبية التي لم تعد تتردد في اتهام قطر بالتدخل في الشأن الداخلي الليبي لإطالة أمد الأزمة الحالية. وتشير تقارير مختلفة إلى أن الدوحة تملك اليوم على الأرض الليبية ميليشيات وخلايا عمل من جنسيات قطرية وليبية وحتى أوروبية ممولة بالمال القطري. ويصف الليبيون هذا التدخل ب”السافر والخبيث”، لأنه يستهدف تقوية فريق على حساب آخر، إلى جانب تغذية الإرهاب الذي جلب الخراب والدمار لليبيا وحوّلها إلى مرتع للجماعات الظلامية والتكفيرية. وتعيش ليبيا اليوم على وقع تزايد منسوب العمليات الإرهابية التي تنفذها جماعات متطرفة لا تخفي علاقاتها مع قطر التي تُقدم لها المال والسلاح، للإبقاء على حالة الفوضى والاضطرابات سائدة في البلاد. ودفعت هذه الأوضاع رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بالعاصمة السويسرية جنيف، إلى القول إن ”ليبيا تعيش اليوم حالة فوضى مسلحة عارمة بسبب الدور القطري الهدام”.