لقد امتن الله تعالى علينا بنعمة جليلة حين أنزل القرآن الكريم على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو نعمة عظيمة حق لنا أن نفرح بها ونعلن اغتباطنا بها، ألم يقل الله تعالى: ”ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ”[يونس:57، 58]. ولو تأملنا فيما ورد من الفضائل لهذا الكتاب العزيز لرأينا عجباً، فهو الكتاب الذي لو أنزل على الجبال الرواسي لتصدعت وخشعت ”لَوْ أَنزَلْنَا هَاذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..” [الحشر:21]، وهو الكتاب الذي تكفل الله سبحانه بحفظه ولم يكَل حفظه إلى ملك أو نبي قال تعالى ”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون”[الحجر:9]. وهو الكتاب المهيمن على ما عداه من الكتب التي أنزلها الله جل وعلا: ”وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ” [المائدة:48]، وفي السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تبين فضائل القرآن الكريم وما اختص به من الخلال. ففي الحديث ((إن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً)) رواه الطبراني بإسناد جيد. ومن أراد الخير الكثير والأجر الوافر فليقرأ كتاب الله تعالى يقول الله تعالى: ”إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُواْ الصلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ” [فاطر:29، 30]، و عن أبي موسى: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو)) متفق عليه. وعن ابن مسعود: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح. ومن قرأ القرآن ماهراً به فهو يوم القيامة مع الملائكة السفرة الكرام البررة، فعن عائشة: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) متفق عليه. وهذا قتادة رحمه الله يقول: اعمروا به قلوبكم واعمروا به بيوتكم أي القرآن أخرجه الدارمي وكان أبو هريرة يقول: إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين ويقل خيره أن لا يقرأ فيه القرآن. وللقرآن الكريم مع أهله يوم القيامة مواقف عجيبة فعن أبي أمامة: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) مسلم. وعند تلاوة القرآن ومدارسته تتنزل الملائكة والسكينة والرحمة، فعن البراء بن عازب قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي فذكر له ذلك، فقال: ((تلك السكينة تنزلت للقرآن)) متفق عليه. وعن أبي هريرة ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) مسلم. وفي تلاوة القرآن الكريم أمان بإذن الله من الغفلة ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بألف آية كتب من المقنطرين)) رواه أبو داود وإن خير الناس من تعلم القرآن وعلمه كما أخبر بذلك النبي، وأن أحق الناس بالإمامة في الصلاة أقرؤهم. بل إن أهل القرآن لهم المكانة والرفعة ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)) مسلم. أخي القارئ إن القلب يصدأ ويقسو، والنفس تضعف، وتهبط بها دواعي الشهوات ومشاغل الدنيا وما أحوجنا إلى ما يصلح نفوسنا ويلين قلوبنا ويربطنا بخالقنا سبحانه. وما تقرب عبد إلى ربه بأفضل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه والتدبر في آياته. وقد كان من هدي الصحابة المستقر لديهم تلاوة ورد يومي من كتاب الله تعالى، بأن يجعل أحدهم له قدراً يقرؤه يومياً ويتعاهد نفسه عليه بحيث يختم القرآن في كل شهر أو عشرين يوماً أو أقل من ذلك. ومن آداب التلاوة تدبر كلام الله تعالى وتفهم معانيه، فهذا من أهم مقاصد القرآن الكريم يقول تعالى” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الاْلْبَابِ”. قال أبو جمرة لابن عباس رضي الله عنهما: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أقرأ كما تقول. ومما يعين على تدبر القرآن تحسين الصوت في قراءته، وقد أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، وعن أبي هريرة: ((ما أذن الله لشيء أي استمع ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)) البخاري ومسلم. وعنه: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) البخاري. وكان أبو موسى الأشعري حسن الصوت بالقرآن فقال له النبي : ((يا أبا موسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) البخاري. وعن البراء بن عازب قال: سمعت النبي يقرأ: ”وَالتّينِ وَالزَّيْتُونِ” [التين:1]، في العشاء، وما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه. ولقد شكى الرسول ترك قومه للقرآن فقال: ”وَقَالَ الرَّسُولُ يارَبّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَاذَا الْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً” [الفرقان:30]، أي جعلوه متروكاً مقاطعاً مرغوباً عنه. ولا شك أن شكواه عليه الصلاة والسلام من هجره دليل على أن ذلك من أصعب الأمور وأبغضها لديه. ما أجمل أن يكون لكل واحد منا قدراً من كتاب الله يقرؤه يومياً، ولو كان يسيراً فقد علمنا أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّت. اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك. اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن في الدنيا والآخرة.