سعيد صالح في دنيا الفن نموذج صارخ يؤكد أن الموهبة وحدها لا تكفي. دائما تظل الأشياء الأخرى هي التي تحمي المبدع وتضمن له دائما سنوات من التألق، لو عدت للزمن لاكتشفت أن المصريين والعرب في مجال الكوميديا مع مطلع السبعينات تعلقوا بنجمين؛ عادل إمام، وسعيد صالح. اقتسما الحب، ولكن لماذا كان عادل نصيبه مع مرور السنوات أكبر، هل لأنه الأكثر دراية بمشاعر الناس وأيضا بما تريده الدولة من الفنان. في عالمنا العربي مهما تحدثنا عن حرية التعبير وحق المبدع هناك دائما خط أحمر لا يمكن تجاوزه، كما أن الدولة لديها اعتقاد راسخ بأنها شريكة في النجاح لا يحق لأي فنان أن ينسى بأن هناك دائما دولة ترصد خطواته. عادل أدرك مع مسرحية ”مدرسة المشاغبين” أنه وسعيد هما القادمان، ولكنه أراد ربما لا شعوريا أن يصبح هو الزعيم، ولهذا أصر على أن يستحوذ على دور ”بهجت الأباصيري” بينما سعيد المرشح الأول للدور وافق على أن يلعب دور ”مرسي الزناتي”، تفصيلة دقيقة ولكن لا تنس تكرار كلمة ”الزعيم” في حوار المسرحية، حتى ولو ترددت بنوع من السخرية أنه زعيم ”أونطة”، وهكذا خرجا من المسرحية متعادلين في النجاح الجماهيري، ولكن مع احتفاظ عادل إمام بلقب الزعيم الذي لازمه حتى الآن أربعة عقود من الزمان. عادل كان يرنو للبطولة وكان يعلم وكأنه يقرأ الأيام القادمة أن الزمن له، سعيد صالح لم يدقق كثيرا فيما تخبئه الأيام كان فقط يرى خطوته الحالية ولا تعنيه الخطوة ولا أقول المرحلة القادمة. سعيد كان حريصا فقط على اللحظة التي يعيشها، وهكذا وعن طيب خاطر تجده يوافق على أداء دور صديق البطل لتصبح صورته الذهنية على الشاشة أنه في الدور الثاني، بينما عادل يحرص دائما على أن يتصدر ”الأفيش”، وهكذا صار عادل منذ مطلع الثمانينات هو النجم الجماهيري الأول في شباك التذاكر، بينما سعيد يبدد طاقته في نفس الفترة الزمنية ومع انتشار ما كان يُعرف وقتها بأفلام ”المقاولات”، وهي أفلام قليلة التكلفة والقيمة مصنوعة لتواكب في ذلك الحين انتشار ”الفيديو كاسيت” حيث كانت تعلب على أشرطة وتوزع خارج مصر، أفلام سريعة التنفيذ من الممكن تصوير فيلمين كل شهر وهكذا لم يتوقف سعيد ليسأل عن جدواها، وهل هي لصالحه أم لا؟ بينما في نفس المرحلة الزمنية كان أجر عادل يقفز عشرات المرات، والجماهير تذهب إليه في أفلامه، صحيح أن عادل قدم أفلاما في معظمها تقع في إطار السينما التجارية، أي أنها لا تحمل طموحا إبداعيا خاصا، إلا أنه حتى في تلك الحدود فلقد حافظ على ألا يشارك في أفلام متواضعة إنتاجيا أو فكريا. سعيد صالح انتقد السلطة السياسية في مسرحياته وسخر منها، عادل إمام كان يعلم أن الدولة لديها أسلحتها، ولن تسمح له بالاقتراب إلا بالقدر الذي تريده، وأفلامه السياسية هي في النهاية ترديد لما تريده الدولة. عادل كان يحرص على أن يتواجد مثلا في عدد من المؤتمرات التي كان يعقدها الرئيس الأسبق حسني مبارك مؤيدا للحزب الوطني الحاكم وقتها، وكان صوتا للدولة في كل مواقفها حتى في توريث الحكم لجمال، على المقابل سعيد لم يحسب شيئا من هذا القبيل. على المستوى الشخصي يتورط سعيد في قضية تعاطي مخدرات ويدخل السجن بينما عادل يدرك أهمية الحفاظ على الصورة الذهنية للفنان. سعيد صالح رغم كل ذلك ترك لنا بسمة وضحكة لا تُنسى، فهو نجم كوميدي فطري من دون مُكسبات صناعية تمنحه طعما ولونا ورائحة.