عندما يتعرض بلد ما لحرب وجودية حاسمة كالتي تدور رحاها في العراق، وعندما تسود لغة ”المكونات” بين السياسيين، التي تدفع بها بقوة مطالب مصالح فردية تسببت في احتقان متعدد الصفات، يصبح الحفاظ على كيان الدولة مهمة مقدسة، وتتقدم متطلبات الأمن الوطني على كل المتطلبات الأخرى، وتقع على السلطات التي تحترم وجودها مسؤولية تحريم الاستخدام الرسمي تحت قبة البرلمان لمفردات المفاصلة والتفكيك المتعددة، حيث يفترض أن تبدأ عملية الضبط والإصلاح من منبر البرلمان مباشرة.في الحالة العراقية، يعطي تهديد ”داعش” في مرحلة تشكيل حكومة جديدة، فرصة لتصاعد مطالب الخصوم السياسيين وأصحاب الغرض السيئ الذين ينتهزون الفرص لتفتيت العراق وتقسيمه، وكان ممكنا دخول العراق في مأزق خطير لو لم يتجاوز التحالف الوطني ”الشيعي” مشكلة تسمية رئيس الوزراء، حيث أصبحت وحدة التحالف مطلبا مهما في عملية التصدي لمحاولات ومؤامرات تفكيك العراق، إن عمل وفق قواعد الفهم الجماهيري المتمسك بالوحدة الوطنية. وهذا يتطلب التصرف مع فقرات الدستور على أساس الحالة غير الطبيعية التي كتبت خلالها، في ظل التهديد والاستقواء مقابل ضعف الثقافة الدستورية والإرادة لدى الطرف النادم على التوقيع. والمقصود هنا تحديدا الفقرات المتعلقة بما ورد من عبارات ”الفدرلة والأقلمة والاتحادية”، التي دونت كأن العراق دولة عبثية طارئة تشكلت من عطايا أراض وفتات تفاهمات ما بعد 2003! مطلوب من رئيس الحكومة المكلف عدم الاكتراث بمطالب الكتل السياسية، التي لا تزال تحلم ببقاء المحاصصة ذات الطابع النفعي لمصلحة نفر من السياسيين، أو تلك التي تحلم ب”لي” ذراع الدولة وهيبتها وهويتها، والتي يبقى تقسيم العراق وسيلتها لتحقيق أحلام لم تجلب غير الكوارث. وبما أنه يتمتع بأغلبية مريحة للتصويت على حكومته، فإن اسمه سيدخل في لائحة الشخصيات والزعامات التي تحظى باحترام التاريخ، إذا ملأ سلة المهملات بأوراق المطالب المؤذية لوحدة العراق، حتى دون صرف الوقت لقراءة تفصيلاتها، فالعناوين تدل على المحتويات. وأرى في المعادلات الحالية وجود عناصر إيجابية يمكنها المساعدة في تحقيق هذه الرؤية. وقبل الانتقال إلى أهم فقرات المرحلة، لا بد من التطرق إلى إقامة العدل والإنصاف في التعامل مع الناس، وضمان سلامة التصرف بموازنات المركز والمحافظات، وضرب مفاصل الفساد، وتشكيل ديوان المظالم لما قد يحدث مستقبلا، وفتح فروع له في المحافظات، وفرض رقابة على عمل المحافظين والمسؤولين المحليين بقدر الصلاحيات الممنوحة لهم، لأن أصل الفساد ”يعشش” في المحافظات التي عبث بعض مسؤوليها بأموال الناس وحقوقهم. ولا بد من إعطاء اهتمام خاص لتعويض ملايين الأشخاص الذين أصابهم وسيصيبهم الضرر جراء الحرب المدمرة الجارية. وبما أن الحرب الجارية وجودية ومفتوحة، فإن العراق بحاجة ملحة للتوسع الأفقي والنوعي في بناء القوات المسلحة، من مصادر تسليح متعددة، وأن يبدأ تدفق السلاح استثناء من كل القيود، خصوصا في مجال القوات المدرعة والطائرات الهليكوبتر الهجومية. وحان الوقت لامتلاك طائرات قتال جوي للتصدي لأي طائرات هجمة إرهابية على غرار هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وهذا يتطلب الاستفادة من الضباط وضباط الصف السابقين، وإعادة فتح مزيد من مدارس التدريب، وإعادة الخدمة الإلزامية، وتشكيل هيئة من كبار قادة الجيش وهيئات الركن، وإطلاق العنان لمراكز البحوث والدراسات الأمنية والعسكرية، واستصدار قرار من البرلمان بمشاركة السياسيين للقوات القتالية ظروفها، بالتعايش لمعرفة الحاجات الملحة ولشد أزرها. ورويدا رويدا، يجري الاستغناء عن قوات الحشد الشعبي بطريقة مشرفة، وتكريمهم على دورهم التاريخي في أخطر المراحل التي مر بها العراق. وفي مجال العلاقات الخارجية، فلا شك أن العراق سيستثمر حالة الترحيب العربي والإقليمي والدولي، ويفترض البدء بالانفتاح الدولي من الآن دون انتظار لما سيحدث، وتطوير العلاقة في ضوء المعطيات. وإذا ما توجه المسؤولون العراقيون الوجهة الصحيحة وتمسكوا بوحدة بلدهم، فيمكن الثقة في القدرة على دحر الإرهاب واستعادة مدينة الموصل والمدن في أقصى غرب العراق على المدى المنظور، وإذا ما دحر الإرهاب في العراق، فسيكون العالم أكثر أمنا. لذلك، فمن مصلحة العالم مساعدة العراق بتسهيل حصوله على السلاح، ومن مصلحة العراقيين العمل بروح فريق واحد والتخلي عن أفكار العزلة والمفاصلة، خصوصا بعد أن ثبت أن العزلة تتيح فرصا مثالية للإرهاب لإثارة الاضطراب في العراق والمنطقة عموما.