لي ذكرى أعتز بها عن هذه المنطقة. فعلى مقربة منها شققت طريقي عندما غادرت متمردا على النظام قبل نحو 20 عاما، مشيا على الأقدام، في رحلة محفوفة بمخاطر كبيرة استمرت 30 ساعة. لذلك، كنت خلال 80 يوما من حصار آمرلي من قبل ”الدواعش” أترقب خطوات إنقاذ نحو 30 ألف شخص يعيشون في قصبة وديعة محاطة بقرى سيطر عليها ”الدواعش” المحليون، وغالبا ما يكون هؤلاء قساة كالمقبلين من خارج الحدود، كما حدث لجنود العراق في قاعدة سبايكر الجوية شمال تكريت. ولم يكن في القصبة سوى بضع مئات من المقاتلين من أبنائها، الذين رفعوا رأس الأحرار عاليا بصمودهم التاريخي، حيث صدوا ثلاث هجمات كبيرة، ولو فشل الدفاع لحدث لهم ما حدث لأهل تلعفر وسنجار من قتل وسبي. القرى المحيطة والعمق القريب مسيطر عليه من قبل ”الدواعش”، لذلك، لم يكن فك الحصار سهلا، فجرى التعويل بشكل أساسي على ”قوات الدفاع الوطني” المؤلفة من كتائب متطوعي الحشد الشعبي بأسمائها بدر والعصائب والسلام، وكانت وقفة كبيرة لقائد منظمة بدر الوزير هادي العامري، الذي ارتدى بدلة الميدان العسكرية وتولى قيادة حملة فك الحصار. وجرى التقدم على أربعة محاور لتشتيت انتباه العدو والإخلال بردود فعله، وقد أمكن تحقيق تقدم سريع على أحد المحاور وتأمين الاتصال مع آمرلي وفك الحصار عنها، وقد شاركت قوات بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني بجهد مهم في هذه العملية وكان التعاون بناء ومثمرا. صمود آمرلي أثبت أن ”الدواعش” حفنة من الرعاع يمكن صدهم ودحرهم، ولم أرَ قوة محاصرة بذلك القدر العظيم من المعنويات المرتفعة، حيث كانوا يتحدثون تلفزيونيا بوجوه مكشوفة وبقوة مستمدة من إيمان عميق، فيما هم على مرمى حجر من العدو. وسيعطي هذا الصمود درسا وقوة دفع كبيرة لكل المقاتلين والناس الآمنين في مناطق العمليات، وأصبح الحديث عن تهديد مدن موضع سخرية. وهكذا ضربت شريحة من تركمان العراق مثلا رائعا بحبهم للعراق، ولم يستنجدوا بأحد من البشر. وأثبت المتطوعون من أبناء العراق أنهم أصحاب غيرة كبيرة، وكان لأبناء الجنوب حصة كبيرة بهذا الشرف. نصر آمرلي مهد الطريق لتحقيق نجاحات كبيرة في الجيب الكبير الواقع بين محافظتي ديالى وصلاح الدين، حيث أمن الوضع العملياتي لتدمير جيوب ”الدواعش” في هذه المنطقة، التي أرادوا من خلالها فصل إقليم كردستان عن بغداد، تمهيدا لتقطيع أوصال البلد الواحد ومنع التعاون بين الشمال والجنوب. غير أن هذا النجاح يتطلب استثمارا نشطا ومتواصلا من قوات المتطوعين والقوات النظامية، بدعم وإسناد قوات مكافحة الإرهاب وطيران الجيش الذي أبلى بلاء حسنا، وكذلك طائرات الهجوم الأرضي. ومن الضروري أن يجري استنساخ تجربة الوزير هادي العامري وتطبيقها من قبل الوزراء ونواب البرلمان، فربطات العنق الجميلة ليس وقتها الآن، فالحسم في الميدان، وعندما تدق نواقيس الخطر تظهر شيم الأفراد، فهل يستنسخ السياسيون والنواب هذه التجربة؟ لست متيقنا من أن الحكومة الجديدة ستتشكل قبل موعد نشر هذا المقال، لكنني متأكد تماما، من أن العراقيين لن يرضوا عن أحد من السياسيين إلا إذا نزلوا إلى الميدان، فالنزول السياسي الجماعي إلى الميدان سيعطي قوة دفع عظيمة. فالعدو ليس نظاميا ليتطلب دحره حسابات عسكرية فنية دقيقة، بل هم مجموعات من الرعاع الذين دخلوا العراق في غفلة ما كان لها أن تحدث، لولا الشحن السياسي الطائفي، الذي أمنت له المحاصصة حصانة غريبة خارج الفهم الدستوري الذي يتذرعون به، فأجادوا تحريف الدستور، كل كما يشتهي. الحملة العالمية ضد ”الدواعش” تزداد قوة وتأثيرا، إلا أنه من غير المتوقع ومن غير المطلوب أن ينهض أحد من غير العراقيين بالمسؤولية، ويفترض بالحكومة العراقية التعويل على قدرات العراق، من المال والرجال والإرادة لتحقيق النصر. ومن الخطأ الفظيع أن ينتظر من الاتفاقات السياسية مردودات إيجابية على الأرض، فكثير من السياسيين تحولوا ”دواعش سياسيين”، همهم مصالحهم، وادعاءاتهم خالية من المعاني الحقيقية. وعلى الحكومة أن تتوجه إلى تطوير قدرات القوات المدرعة وطيران الجيش بجهود استثنائية، وتقوية نفوذ ودور الاستخبارات، وتفعيل قوانين منع التشرذم وإثارة الفتن. وفي النتيجة سينتصر العراق، وعندما يستكمل طرد ”الدواعش” من العراق لا بد من ملاحقتهم خارج الحدود.