عادت طرقاتنا السريعة لأزمة المرور من جديد بعد فترة من السيولة في السير دامت طيلة العطلة الصيفية، لتستيقظ أفعى ازدحام الطرقات التي نالت هي الأخرى قسطا من الراحة بعد سنة عملية، لتجوب شوارعنا والطرق السيارة بزحف ثقيل. عاشت الطرقات نوعا من الارتياح من اكتظاظ السيارات الشهر المنصرم، كون أغلب الموظفين اختاروا إجازتهم في تلك الفترة الزمنية، إضافة إلى العطلة الصيفية التي يعيشها التلاميذ وطلاب الجامعات، ما جعل وسائل النقل الجامعي لا تقوم بأي حراك، وهذه من بين الأسباب التي أعطت مرونة للسير. إلا أن الوضع يختلف مع دخول شهر سبتمبر، زمن الدخول الاجتماعي، الذي تفتح فيه المدارس والجامعات أبوابها، وحتى معاهد التكوين التابعة للقطاع العام والخاص، وهذا ما يجعل الحركية والنشاط يزدادان تلقائيا، بالإضافة إلى الحواجز الأمنية والأماكن التي تجرى فيها أشغال طرقات أو غيرها، ليلقى المواطن صعوبة في التنقل وركن السيارة. ورغم أن ازدحام المرور يعد ظاهرة عندنا إلا أن التأقلم معها لم يجد مكانه، فهي لا تخلق إلا التوتر والقلق، فالسنوات الماضية كانت تشهد فيها العاصمة ازدحاما في أوقات الذروة فقط. أما اليوم فالازدحام يبدأ منذ السابعة والنصف صباحا إلى ما بعد المغيب، ليكون النمو الديمغرافي والتسهيلات الممنوحة لاقتناء سيارة في ظل عدم توسيع الطرقات السريعة وغيرها من الخطوط البرية، أكبر ما جنى على طرقاتنا كارثة الاختناق المروري. ساعتان من الزمن من البريد المركزي إلى بن عكنون! صنف المواطنون بتجربتهم خطوطا تنقلية حمراء، فعلى سبيل المثال الخط الرابط بين محطة ”أودان” ومحطة ”بن عكنون”، يلقى إقبالا كبيرا من قبل المواطنين ونسبة الرحلات لازالت ضئيلة مقارنة بالطلب المتزايد عليها، والأمر يشتد تأزما بعد الساعة الثالثة بعد الزوال من كل يوم، ناهيك عن التأخرات المتكررة للحافلة، والزمن الذي تستغرقه حين تستقر في المحطة لإقالة الركاب، ما جعل المواطن يضيع أياما من السنة وهو في حالة انتظار الحافلة متى تسير. وتتحول المشكلة إلى مأساة مع لحظة الانطلاق التي تشعر فيها وكأنك على ظهر سلحفاة، وبذلك لن يمر يوم إلا وتسمع فيه مشادات كلامية بين الركاب والسائق، أوبين الركاب أنفسهم، الذين يجوبون مع بعضهم ساعتين من الزمن أو أكثر في جو مغلق ومضطرب، وانطلاقا من هذا حذر عدد كبير من الأطباء من الإصابة بأمراض نفسية كالاكتئاب والضغط، وأشدها حدة هو ”الاحتراق النفسي” الذي يأخذ أبعادا اجتماعية خطيرة، خصوصا بالنسبة للمواطنين المصابين بأمراض مزمنة باعتبارهم الأكثر تضررا. تدخل في إطار حل مشكلة أزمة الطرقات عدة وزارات، وتسويتها يستغرق زمنا قد يكون طويلا إذا استمرت التلاعبات والطرق الملتوية على حساب خدمة المواطن، كما قد تكون قصيرة إذا آمن مسؤولينا أن ضمان حياة مريحة للمواطنين لا تتطلب بالضرورة معجزة سيدنا موسى لفرعون، وإنما أساسه الإخلاص في العمل.