ما الذي يؤرق المواطن الجزائري ويقلق راحته ويشغل باله؟ ماهو السبيل إلى تحسين إطاره المعيشي ووضع حد لمعاناته اليومية مع مشاكل عدة، ماهو رأيه في المنتخبين المحليين بصراحة؟ ما هي أحوال السوق عندنا؟وماذا عن أخبار الفرق الكروية على المستوى المحلي والدولي ؟ ...كل هذه الأسئلة وأخرى كثيرة، يمكن أن يجد الإنسان الإجابة عليها دون أن يكلف نفسه عناء طرح مجرد سؤال واحد، يكفي أن يستقل الحافلة، ليخرج بنظرة شاملة عن أحوال الوطن والمواطن. ساعتان من الزمن ..تلك هي المدة التي استغرقناها على متن حافلتين للوصول إلى البريد المركزي، استقلنا الأولى من محطة حي عدل 1829 مسكن بالسبالة العاشور غرب العاصمة إلى بن عكنون ورغم أن المسافة التي تربط بين العاشور والبريد المركزي لا تزيد عن 12 كلم، إلا أن اختناق الطرقات بسبب ازدحام حركة المرور، خاصة على مستوى الخط الرابط بين منطقة واد الرمان وعين الله و نقاط سوداء أخرى عند مدخل بن عكنون ووسطهوكذا الأمر بالنسبة لحيالأبيارالذي توجد به أكثر من نقطة سوداء، جعل الوصول في مدة تقل عن ساعتين إلى الجزائر الوسطى أمر مستحيل وحلم بعيد المنال وذلك طيلة أيام الأسبوع عدا يوم الجمعة. تذمر من سوء خدمات النقل ومشكل اختناقات المرور مرت خمس دقائق، فعشرة أخرى، ربع ساعة من الانتظار وأخيرا بعد 25 دقيقة وصلت حافلة نقل باتجاه محطة بن عكنون، الكل مستعد ومتأهب، فعلى الجميع أن يتهيأ لخوض معركة »التطباع« كما يقال بالعامية، ولم يكن ولو مقعد واحد شاغر في الحافلة ، وهناك بعض الركاب الواقفين، لأن السبالة ليست المحطة الأولى للحافلات، فمنها تلك القادمةمن تيقصراين ومنها ماهو قادم من السحاولة، اندفع الناس صوب الأبواب والكل يأمل في الصعود، انطلقت بنا أخيرا وكنت من بين المحظوظين الذين تمكنوا من الركوب وانطلقت الحافلة باتجاه محطة بن عكنون، كانت الساعة الثامنة صباحا واليوم هو الاثنين ..ما أن انطلقت الحافلة التابعة للقطاع الخاص حتى بدأت عبارات الاستياء من تصرفات القابض الذي كان يطلب من الركاب عدم ترك أي فراغ بينهم، هذا الأخير كان يرد على علامات التذمر البادية على وجوه بعض الركاب، '' اللي ماعجبوش الحال ايشد طاكسي'' ..حينها بدأت التعاليق هنا وهناك عن تدني مستوى الخدمات بقطاع النقل، مقابل رفع التسعيرة ومن حين لآخر تسمع عبارة ''الله يجعل الخير برك .'' بدا الجميع على علم بالزيادة التي شهدتها تسعيرة النقل لكن علامات الاستياء بدأت واضحة على كل الوجوه ìثم استرسل البعض في الحديث عن الزيادات التي مست معظم المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها الحبوب الجافة .. الفاصوليا البيضاء ب200 دينار للكلغ وكذلك الأمر بالنسبة للعدس أما بالنسبة البزلاء الجافة»الحجلبانة « فتباع 160 دج للكلغ ..وحين يتعلق الأمر بارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية يتحول الكلام من حديث جانبي بين إثنين الى موضوع مفتوح للنقاش يشارك في إثرائه جميع الركاب ومن الحبوب الجافة إلى الخضر، حيث لم يخف أحد الكهول دهشته من ارتفاع سعر البصل حيث قال: حتى البصل يباع ب90 دج للكلغ في عز الشتاء، مؤكدا أن كل الخضروات قد عرفت زيادة تتراوح مابين عشرة دنانير إلى ثلاثون دينارا في الكلغ الواحد..قبل أن يضرب كف على كف على ما آلت إليه القدرة الشرائية لدى المواطن. عندما وصلت الحافلة إلى السوداء المعروفة بحي واد الرمان بدأ الاختناق في حركة المرور بشكل يصعب وصفه وهنا تحولت وجهة الحديث من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية إلى مشكل ازدحام حركة المرور بالعاصمة، لتنطلق التعاليق هنا وهناك »العاصمة تختنق «، هذا أمر طبيعي ونتيجة حتمية لسوء التخطيط قال أحد الركاب ليواصل قائلا:'' كل الإدارات والوزارات تتمركز بالعاصمة، 48 ولاية في ولاية واحدة ، كيف يمكن أن تستوعب الطرقات كل تلك الحشود من مستعملي الطرق ؟'' قبل أن يقاطعه مواطن آخر بقوله''عمليات ترحيل واسعة، أحياء جديدة تم خلقها بغرب العاصمة دون التفكير في توسيع الطرقات'' ، حينها انطلق الركاب في مناقشة مشكل وضعية الطرقات التي تعرف تدهورا كبيرا بأحياء السبالة والعاشور وواد الرمان، والتي تملأها الحفر العميقة، التي تتسبب في بطىء حركة السير وازدحامها.. أحد الركاب قال في تذمر ٪الأميار يعرفوا الشعب، إلا حين يقترب موعد الانتخابات، حتى مشكل الحفر لم يجدوا له حلا، ونظر إلى جماعة من الركاب أمامه قائلا »قرأت في الجريدة خبرا يقول أن حفرة واحدة قد كلفت ميزانية 200 مليار دج والحفرة لا تزال موجودة'' عبارة أضحكت أحد الركاب والذي علق بقوله'' 200مليار قليل جدا، ردم الحفر يتطلب ميزانية أكبر بكثير من هذا الغلاف المالي''.. وقاطعه أخر بقوله الأموال موجودة ، بدل أن تسرف الملايير على الفريق الوطني الذي لا يحقق أية نتائج'' تحمر الوجه'' من الأفضل أن يغلقوا بها الحفر '' ساعة كاملة مرت على هذه الأحاديث التي لا تنتهي فلم يترك بعض الركاب موضوعا إلا وتناولوه بالنقاش، فيما اكتفى آخرون بالاستماع إلى كل ما يقال دون المشاركة في النقاش. أخيرا وصلنا إلى محطة بن عكنون، بعد رحلة شاقة رغم أن المسافة التي تربط بين العاشور وبن عكنون لا تزيد عن 6 كلم، إلا أن تدهور الطرقات و ازدحام حركة المرور حال دون الوصول في وقت زمني قصير. حديث طويل عن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وأحوال المستشفيات.. واصلت طريقي واستقلت هذه المرة حافلة النقل الحضري المتوجهة إلى البريد المركزي، هذه المرة كنت أكثر حظا، حيث أن الحافلة كانت شاغرة ووجدت كرسيا أجلس عليه، شيئا فشيئا بدأت الحافلة تمتلأ بالركاب، حينها بدأ التذمر من عدم انطلاق الحافلة، هناك من الركاب من كان يتحدث عن تأخره عن الالتحاق بعمله والمشاكل التي سيتحمل تبعاتها، وهناك من كان يقول أنه لن يصل إلى موعد الطبيب بمستشفى بئر طرارية بالأبيار، وسوف يتأجل الموعد شهرين آخرين، حينها قاطعه أحد الركاب، لماذا لم يذهب في سيارة أجرة حتى يضمن الوصول؟ فرد عليه أن التسعيرة الجديدة لسيارة الأجرة لا تشجع على الاستعانة بخدماتها، 100 دج من بن عكنون إلى الأبيار وليس إلى مدخل المستشفى، ليسترسل أحد الركاب في الحديث عن المواعيد المتأخرة بالمستشفيات التي قد تصل إلى ستة أشهر و معاناة المواطن مع المصالح الاستشفائية المختلفة، ابتداء من سوء الاستقبال والخدمات الطبية وعدم التكفل الجيد بالحالات الاستعجالية، وصولا إلى الأخطاء الطبية وتوجيه المرضى إلى العيادات الخاصة بدل التكفل به بأقسام المستشفيات العمومية. انطلقت بنا الحافلة أخيرا ومن حين لآخر يرن هاتف أحدهم، هناك من يتحدث بصوت خافت وهناك من يسمع الجميع موضوع المكالمة، وأكثر ما كان يشغل الركاب هو أن لايكون الطريق المؤدي إلى البريد المركزي مزدحم، خاصة على مستوى الأبيار، قبل أن يتم تناول موضوع النقاط السوداء بالعاصمة وكيفية القضاء عليها مرة أخرى وبإسهاب، والعودة أيضا إلى موضوع تدني القدرة الشرائية للمواطن والزيادات التي عرفتها أسعار مختلف المواد الاستهلاكية من حبوب جافة وخضروات، وهناك من الركاب من أكد في هذا الإطار أن الزيادات ستشمل أيضا مستحقات الكهرباء والغاز وحتى الوقود. أحد المواطنين قال في تذمر معلقا على ما سمعه من أخبار غير سارة عن الزيادات التي ستشمل كل شيء ''لقد استدعوا روراوة للتحقيق معه في الأموال التي أهدرها على حاليلوزيتش وهو لم يقم بأية انجازات تذكر'' مضيفا ''أموال الجزائر تصرف على الكرة والفنانين الأجانب و المواطن يتحمل الزيادات المفروضة عليه في كل مرة ''.. ولدى وصول الحافلة إلى حي الأبيار، صعد شيخ طاعن في السنة، وساعده أحد الشباب بعد أن ترك له كرسيه ليجلس عليه، وشرع هذا الأخير في الحديث عن الثورة ورفقاء الجهاد والعمليات الفدائية وكيف كان حب الوطن أكبر من كل الاعتبارات، ثم أخذ يلوم شباب اليوم عن تقصيره وعدم حبه للعمل واحترامه لمكاسب الثورة، قبل أن يقاطعه شاب لم يخف تذمره من البطالة الخانقة التي يعيشها هو والكثير من الشباب. وهكذا مرة ساعة أخرى من النقاشات والحوارات التي لم تترك موضوعا الا وتناولته وبإسهاب، كل ما يتعلق بيوميات المواطن، مشاكله، معاناته وأخبار الكرة على الصعيد المحلي والدولي، قضايا وقضايا مختلفة، مواضيع سياسية، اجتماعية وظواهر وآفات وغيرها ولكل رأيه في الموضوع . وصلنا إلى محطة البريد المركزي في تمام الساعة العاشرة، بعدما قضينا قرابة ساعتين من الزمن تخللتها عدة مواقف وصور تعكس صعوبات يومية المواطنين.