دافع عدد من الأساتذة والباحثين عن عن توجهات المفكر الجزائري محمد أركون، باعتباره دكتورا فخريا للتاريخ وللفكر الإسلامي، قدم مؤلفات وتحاليل فكرية رصينة في مجال النصوص الدينية والدراسات القرآنية والإسلامية، والتي طالما أثارت الجدل وأسالت الكثير من الحبر. في الندوة الفكرية التي نظمت أولّ أمس بمقر الجاحظية في العاصمة، احتفاء بالذكرى الرابعة لرحيل المفكر محمد أركون، أوضح الأستاذ عمر بوساحة رئيس جمعية الدراسات الفلسفية، أنّ أركون دافع عن الفكر الإسلامي بكل ما يحمله من عوالم. وأشار إلى الاهتمام البحثي المعمق والكثيف حول فكر وانجازات وأعمال الراحل التي اتسمت بالوضوح والعمق والدقة، إذ ينظر إلى جل القضايا موضوع دراسات أركون نظرة ومفاهيم ومناهج جديدة غيرت وجه الدراسات الفكرية للإسلام وقضاياه، ما ساهم بشكل مطلق في اعتلائه منزلة مرموقة في أوساط الباحثين العرب، لاسيما الطلبة الذين جعلوا منه محور دراساتهم فكتبوا حوله العديد من المقالات والأطروحات والبحوث. واعتبر المتحدث أنّ “أركون“ أكثر المفكرين جذرية وشديد المراس في آرائه وتطلعاته الفكرية، فهو بحكم وجوده في باريس، إحدى عواصم التنوير في الغرب، كان حرا ومارس حرية التفكير دون قيود ولا تنازلات ودون توافقات تراعي الرأي العام أو ميزان القوى السياسي، الأمر الذي عرّضه إلى سوء المعاملة والإهانات، حيث وجهت له أصابع الاتهام بكونه يحارب العلمانية بالرغم من كونه مستشرقا. من جهته نبه الأستاذ محمد بوحاسة إلى أنّ محمد أركون كان يسعى دوما إلى إعادة توحيد الوعي الإسلامي من خلال ما أسماه بالإسلاميات التطبيقية التي كان يدرسها بجامعة “السوربون“، مستعرضا الجرأة الاقتحامية للمفكر أركون الذي تمكن من دراسة ظاهرة الوحي من وجهة نظر تاريخية ومقارنة من خلال تطبيق ثلاث منهجيات على النص القرآني المنهجية اللغوية الحديثة، التاريخية والسوسيولوجية، والمنهجية الفلسفية التي شكلت صورة تاريخية ناضجة عن الإرث العربي والإسلامي. وأوضح الدكتور حبّاب أنّ المفكر أركون لم يكن منحازا إلى مذهب إيديولوجي أو فكري ما، بل حاول أن يروج للأفكار الإنسانية التنويرية الحديثة التي كان لها أثر كبير في طرق البحث في العالم العربي والإسلامي، ولم يخش أي سلطة أو أي تيار، بل كان سعيه الوحيد تغيير الوضع الفكري الإسلامي. للإشارة، محمد أركون ابن منطقة تاوريت ميمون ببلدية بني يني القبائلية، مؤرخ في الإسلام وفيلسوف ومثقف يتبع تقليد “الأنوار“ الفرنسي، إنساني الطبع ومناضل نشط في مجال الحوار بين الأديان، وكذا الشعوب والناس. تخصص في الفكر الإسلامي وكان يناضل من أجل إعادة التفكير في الإسلام في العالم المعاصر، والتي كانت جوهر مجمل مؤلفاته الفكرية منها كتاب “الفكر العربي“، “قراءات للقرآن“ (1982)، “فكر الإسلام اليوم“ ، كتاب “اللامفكر فيه، المهمل في الفكر الإسلامي المعاصر“. وشكل فقدانه في 14 سبتمبر 2010 بالعاصمة الفرنسية باريس، خسارة كبرى للمتنورين وأهل الحداثة، فقد ترك المرحوم مكتبة كاملة متنوعة من دراسات وأطروحات ومشاريع فكرية، كانت تعمل على رفع الإسلام إلى مرتبة عليا ومشرفة، في هذا العالم الذي كسرت فيه الأصولية الظلامية.