من المفارقات العجيبة في العلاقات الجزائريةالامريكية هو ذلك التصنيف الديبلوماسي الذي تحدده كتابة الدولة و لجنة الشؤون الخارجية للكونغرس، بالنسبة لدولة يقال انها ”كبيرة ومهمة” كالجزائر. وكأن الامر يتعلق بمزحة ذات مذاق سيء خاصة عندما يصدمنا هذا الكبر المزعوم والذي يقتصر على المساحة فقط (العاشرة عالميا).اذا ، فتعيين السفيرة الجديدة السيدة بولشيك التي نرحب بها ، والتي لسنا هنا بصدد تقييم كفاءاتها ، يعطي الدلالة الاولى على ان الجزائر ليست بالمواصفات التي نسمعها، بل في توجد في نفس الصف كموريتانيا والكاميرون ، بلد تجريبي- تربصي ، يرسل اليه كل مبتدئ في سلك السفراء، وهذا اذا نظرنا الى رسائل الترشح لمنصب سفير و القادمة من موظفي كتابة الدولة الى لجنة الكونغرس وما يقابلها من بلدان عديمة الاهمية مخصصة للانطلاق في هذا السلك المهني. من الضروري ان ننبه ان للولايات المتحدة كل الحق في تعيين من تشاء وليس هذا هو موضوعنا و لا يخصنا ، بل موضوعنا هو طبيعة الملفات التي يتكون منها التواصل الديبلوماسي الجزائري الامريكي والذي لا يرقى ان يكون مسألة مهمة يتطلب التمعن فيها من قبل جون كيري و زملاءه لاختيار سفير كان قد سبق له وان اشتغل في نفس المنصب في بلد آخر. فالحقيقة لابد ان تقال …لا توجد ملفات مهمة بين الولاياتالمتحدةوالجزائر ،رغم هذا الصخب المخادع في بعض الابتسامات الصفراء ،صخب ردد منذ مجيء اوباما في جملة واحدة ”الجزائر شريك مهم في مكافحة الارهاب” و اخيرا في تلك المسرحية الهزلية والبائسة والمتمثلة في الحوار الاستراتيجي الجزائري-الامريكي. واذا اردنا ان نتجنب القصصية الاعلامية الجوفاء لإعطاء دلالات رقمية لما نقدمه ، فلنعرج قليلا نحو مكتب الاحصاء بواشنطن لنكتشف ان المبادلات التجارية هوت الى 700 مليون دولار للنصف الاول من هذه السنة ،بعدما وصلت الى 19 مليار في 2006، ناهيك عن وجود اقل من 5 ملايير دولار كسندات للخزينة الامريكية، فما بالك بالقيمة الهزيلة التي تشارك بها الجزائر في صندوق النقد الدولي .ان هذا الوضع المقلق بالنسبة لغياب تموقع استراتيجي للتحصيل التنموي عبر التقرب الى اكبر اقتصاد دولي ، لا يعد فقط من اختراعات هذه الحكومة الفاشلة التي سلطها القدر المشؤوم علينا، بل في تفاعل نفس هذه الحكومة مع بعض الاعلاميين والسياسيين الشعبويين الذين دخلوا الاقتصاد من بابه الخلفي وتفننوا في صعود المالية في الاتجاه الممنوع . فعوض الرد عليهم والثبات والاقتداء بالمدارس الرابحة مع امريكا التكنولوجيا ، شاركت الحكومة بسكوتها وبإعاقتها الممنهجة تحت وطأة قدماء اشتراكيي الثدي، الى الزرع في مخيلتي الناس ان كل شيء يأتي من امريكا اسوء من السيء واصبح حتى شراء سندات الخزينة مسلكا خطيرا. تمنينا ان يقال هذا الكلام على تركيا الموجودة في الخزينة الامريكية ب 41 مليار دولار ولو كانت انقرة مصدرة للمحروقات لوصلت السندات الى100 مليار ، ونحن لسنا هنا في مجال التهجم على اردوغان ، بل العكس نحترم كل مسؤول يدافع عن بلده كما يفعل اردوغان الذي اسس ظاهرة غريبة ”في بلده”، 111 شركة يمتلكها جزائريون ”للبيع في الجزائر” واقتناء العملة الصعبة لتركيا. فالتكلم على تركيا لا بد ان يبتعد عن التلفيق و يصفو الى الشفافية وان يكون مآله تقارب مثالي في اطار الاحترام و في تعاون متوازن عكس ما هو عليه ، تجارة مجحفة في حق الجزائر والجزائريين. شيء مخجل اذا نظرنا الى بلدنا المسكين بنظرة اليتيم الذي بعثر ميراثه في غياب راي سديد واصبح هذا البلد يدفع نقدا حتى مواقفه وشتائمه وهذيانه اليومي . فها هي كتابة الدولة الامريكية تصفعنا ذات يوم(13 اوت) بنشرية غريبة ،تطلب من خلالها المواطنين الامريكيين المتواجدين بالجزائر الى تخزين المياه . فمثل هذا السلوك المهين الذي مر مرور الكرام امام قبيلة وزارة الخارجية الجزائرية ، كان مآله ،تحت سماء آخر، الرد المناسب لأنه قد يصنف في خانة ديبلوماسية الاستفزاز للملكة فكتوريا. هذه النشرية أعطتنا ايضا دلالات على ان الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي من اجلها رن جرس تل ابيب بكتابة الدولة ... لقضية ال 25 مليون دولار الموجهة للفلسطينيين ربما... ولكن لان الجزائر لم تفهم طوال سنوات ان مواقفها السياسية دمرت اقتصادها وساهمت في توسيع ميناء دبي وابوظبي الذان ينخرانها يوميا ، فاصبح الكثير الذي تقدمه لفلسطين يبدو قليلا والقليل الذي تقدمه تركيا كثيرا، فكان من الصعب ان تتهجم تل ابيب على تركيا عبر كتابة الدولة الامريكية، لان هذه الدولة تعرف جيدا مصالحها، عكس الجزائر. ان تعيين السيدة المحترمة بولشيك ،وبعد المزاح، يعطي للأذهان ثلاث قراءات- اولا: إما هو تسيير روتيني لمداومة ديبلوماسية امريكية في عاصمة الجزائر – ثانيا: اما واشنطن توحي لنا وكأنها بدأت الآن في اول علا قات ديبلوماسية مع الجزائر وفتحت اول سفارة لها بهذا البلد – وثالثا و كأنها تدعونا بعد ما سئمت من التهجم عليها ومراوغتها لنا، الى محو كل شيء والبدء من جديد مع بسمات جديدة وامرأة جميلة بملامح ودية مع ورود وضعت تشريفا لشهداء الثورة. تلك هي تكهناتنا والزمان يعيدنا قليلا الى جويلية 1962 حين قام الرئيس كندي بمخاطبة الجزائريين بمناسبة الاستقلال ،فكان حدثا كبيرا يدفعنا الان لقياس كل هذا الفارق. فشتان بين الامس واليوم، بل شتان بين قرون وايام خاصة ونحن نرى طوماس جفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة وهو يشتري القرآن الكريم في 1765 بويليامسبورغ (فرجنيا )عندما كان طالبا و بعد تعرفه على سليم الجزائري .ها هو نفس جفرسون وهو يراقب في ربيع 1806 ومن نافذته بالبيت الابيض قطيعه بكباشه الجزائرية. وماذا عن اولهم جورج واشنطن الذي ارسل اول قنصل الى الجزائر في 1786 بسبب الاسرى الامريكيين في الجزائر.تلك الجزائر التي حكمها دايات صفاتهم الاولى الكسل والولائم والقفطان، فعوض بناء جامعات ومعاهد، بنو دار عزيزة ودار الضياف. لكن الجزائر تبقى بصماتها في التاريخ ، بلد وشعب نسج منه جورج واشنطن مؤامرة لإنجاح دستوره و اتحاده يوم 17 سبتمبر 1787 بفيلادلفيا .فلتتذكر السيدة السفيرة انه حينما يلقي الرئيس اوباما خطابه السنوي حول حالة الاتحاد او عندما اخذت امريكا عبارة الولاياتالمتحدة فهذه الفدرالية لها من الجزائري بعض الشيء. في تلك الايام قيل للمؤتمرين انه في حالة عدم التفاهم على الدستور والاتحاد الامريكي ،فان الجزائريين قادمين لاحتلال امريكا.وقد وزع في المؤتمر بايعاز من جون جاي كاتب الدولة لاحقا كتاب عنوانه... الجواسيس الجزائريين بفيلادلفيا. فها هي المقارنة امامنا الان: مؤامرات جزائرية خلقها الامريكان فبنت بلدا عظيما ومؤامرات امريكية خلقها جهلة من بلادنا فخربتنا... فمن يقول احسن .