لم أشاهد فيلم “الوهراني” الذي يبدو من خلال الحملة التي يقودها المدعو شمس الدين، أنه كسر بعض التابوهات، أو بالأحرى الصورة النمطية التي يحاول البعض اليوم تقديمها عن المجاهدين. فمنذ بداية ظهور وتعاظم تيار الإسلام السياسي في المجتمع، بدأ الحديث عن الثورة بأنها كانت ثورة دينية قبل أن تكون ثورة على الاستعمار، وبدأ التيار الإخواني يحاول سحب مجد الثورة إلى نفسه على أنها قامت تحت صرخة “اللّه أكبر” التي كان يرددها المجاهدون عند كل عملية، أو لدى استشهاد بعضهم مثلما رددها من كانوا يقادون إلى المقصلة. كل هذا للاستثمار في رصيد هذه الثورة المجيدة ومحاولة إضفاء كل تيار صبغته السياسية عليه. قد يكون مخرج فيلم الوهراني مخطئا بتركيزه على ارتياد المجاهدين للحانات وللمراقص، لكن هذا أيضا جانب حقيقي عاشه المجاهدون، واستغلوا كل السبل للقيام بواجبهم المقدس، ولم لا الحانات إذا ما كانت آمنة ولا تجلب إليها الشكوك. وما نسيه شيخ “ربعة فرنك” الذي دعا الجزائريين والوهرانيين تحديدا للثورة على الفيلم ورفع دعوة قضائية ضد مخرجه، وهو ما لم يفعله عندما يستهدف الإرهاب مواطنين أبرياء، ولا عندما يتعرض الجزائريون للقهر والظلم… وتنتفخ وجنتاه ويتطاير الشرر من عينيه ضد فيلم. ما نسيه هو أن من قاموا بالثورة التحريرية بشر وليسوا ملائكة. فعندما يمنع تصوير زوجة مصطفى بن بولعيد في الفيلم المخصص للشهيد ورفض الحديث عن الجوانب العاطفية لحياته، فهذا يضر بالمجاهدين وبالشهداء ويجعل منهم قساة قلوب ليست لديهم مشاعر إنسانية، وأنهم مجرد متعطشين للقتل والدم، أما إذا ما سلط الضوء على حياتهم العائلية فهذا يضعهم في موقعهم الإنساني، ويرفع من نبل رسالتهم، ويعطي معنى لتضحياتهم. من الخطإ أن تحدد الثورة التحريرية في فئة “اللّه أكبر” وحدها، فاليساريون والوطنيون كان لهم دور كبير في تفجيرها وإنجاحها وتأطيرها، وقدموا أيضا قربانهم من الشهداء. وهناك أيضا مسيحيون وحتى يهود شاركوا في الثورة وقدموا لها الكثير، ومع أن عبارة “اللّه أكبر” كانت حاضرة دائما في الجهاد، إلا أن الثورة لم تكن إخوانية ولم تصبغ بأية صبغة دينية إلا بإيمان الجزائريين البسطاء الذين حملوها ودفعوا من أجلها أبناءهم وممتلكاتهم. لم يشارك في الثورة فقط الأتقياء والمتدينين، بل شارك فيها أيضا من يعاقرون الخمر، وشاركت فيها أيضا “عاهرات” كن يغرين الضباط وحتى رجال السياسة الفرنسيين، ويقدنهم إلى حتفهم، وقد التقيت سنوات الثمانينيات بإحداهن، روت لي كيف استضافت ضابطا فرنسيا وسقته الخمر إلى أن فقد وعيه، ثم قتلته وجردته من سلاحه، واستعانت بزملائها من الفدائيين لإخفاء جثته. وهذه السيدة ومثيلاتها كثيرات لم يعترف بدورهن في الثورة بعد الاستقلال وحرمن من بطاقة وصفة المجاهد، مع أن مجاهدين رجال قاموا بأدوار مماثلة اعترف لهم. وما زال كتاب تاريخ الثورة يرفضون الحديث عن هذه الفئة التي التزمت الصمت متجرعة المرارة مرتين، والسيدة التي ذكرتها آنفا توفيت بداية التسعينيات بسرطان الثدي، دون أن يعترف لها بما قامت به من “بطولات” من أجل وطنها. الثورة لم تكن ثورة ملائكة، وإنما بشر يخطئون ويصيبون، ومعاقرة الخمر ليست أخطر من الخيانة، ألم يخن بعضهم بعضا وقتلوا الخيرة منهم؟!