كم هو مضحك حدّ السخرية ذلكم الذي يقيس أو يُقدّرُ قوةَ الجزائر وعظمتها، بحالة نظام الحكم صعودا أو نزولا، وهنا أو تماسكا، والحال أن ابن خلدون أول من وضع مصطلح ”الدولة” بدلالته السياسية أواخر القرن الرابع العشر، وإن لم يميزأحيانا بين النظام والدولة، غير أن له السبق بفرض مصطلح ”الدولة” في علم الاجتماع، والذي على أركانه تأسس علم الاجتماع السياسي، وفي كل الأحوال، من يخلط اليوم في القرن الواحد والعشرين بين ”الدولة” و”النظام”، فكأنما لم يغادربعد القرن الرابع عشر، حتى لا نقول أنه لمّا يخرج من دائرة المعنى اللغوي الصرف لكلمة ”الدولة”، ويبقى بينه وبين ابن خلدون ثمانية قرون عجاف، وحاله لا تختلف في شيء عن ذلكم الذي يقدّرُ جسم انسان بوزن لباسه، وفي أحسنالأحوال يضيف تفصيل اللباس ولونه للميزان، متوهما أنه يعدل بالضرورة وزن الجسم؛ وما أبعد هذا عن الواقع، وما أتفه العقل الذي يتناول شأن ”دولة” بهذا المنطق، الذي يدل على سفه صاحبه. أقدم هذا الكلام، لأنني لم أقرأ قبل سفري لدمشق بأسبوع واحد، ذلكم المقال الذي نشرته صحيفة ”الشرق” القطرية 2014/07/27، تحت عنوان ”جنرالات سوريا على خطى جنرالات الجزائر”، من زاوية وجهة نظر إعلامي له مطلق الحرية في التعبير عن رأيه متى التزم بالضمير المهني والموضوعية وصحة المعلومة، وإنما جاء صدر المقال دليلا على أنه يتجاوز وجهة نظر الكاتب بمراحل، وأكثر تعبيرا لكونه احدى رسائل الحكومة في قطر للجزائر دولة ونظاما وشعبا كذلك.صَدرُ المقال بدأ بالعبارة التالية:” من المعروف للجميع أن النظام الجزائري وقف مع نظام الأسد منذ اللحظة الأولى، وقد شاهدنا ممثل الجزائر في اجتماعات الجامعة العربية يعارض كل الاجراءات التي لجأت اليها الجامعة لمعاقبة النظامالسوري”(اه)؛ والحقيقة أنه لا أحد من الجميع الذين يعنيهم كاتب المقال، يملك ما يثبت بأن النظام الجزائري وقف منذ الوهلة الأولى مع ”الدولة السورية” فضلا عن وقوفه مع (نظام الأسد)، إنما هي قراءة من وحي خيال صاحبها، ثم لا أحد من أولئكم الجميع شاهد ممثل الجزائر في جامعة الدول العربية، ببساطة لأن كل اجتماعاتها مغلقة، وكل ما يمكن معرفته هو المواقف الصادرة في البيانات الختامية، وأما عن التسريبات فلا يمكن الادعاء بأن الكل كان شاهدا، فضلا عن هذا فموقف الجزائر لم يكن معترضا كما وُصف، بل ملتزما بقوانين جامعة الدول العربية وميثاقها، والأصل هنا التزام الجزائر بمبدأ ”عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، ولا يمكن اعتبار هذا الموقف اعتراضا، وإنما نقيضه يعتبر تجاوزا لميثاق جامعة الدول العربية، وسابقة بالغة الخطر على بقية الأقطار العربية. وفي كل الأحوال لا يعتبر هذا رأي كاتب، بل معلومات (مشوهة) لدولة عربية، كانت المحرك الأساسي لتلكم القرارات التي اصطدمت بمبدأ الجزائر، وخرقت ميثاق جامعة الدول العربية. هنا لست أفتعل صراعا مع حكومة قطر، بل العكس هو الصحيح، لقد ناديت مرارا انظمة الدول الخليجية لمراجعة سياساتها الخارجية، والعودة الى صوت العقل ومصلحة الأمة، ولست أتجنى على حكومة قطر بتحميلها مضمون المقال واعتباره رسالة موجهة للجزائر، ذلك أني نشرت في حينه مقالا يُحمّل فيه الناطق باسم الحكومة الجزائرية جزءا من مسؤولية العملية الارهابية التي استهدفت حقل الغاز الجزائري أواخر يناير 2013 لقطر، وقد صرحت بذلك عبر نشرة الأخبار الرئيسية عضو بمجلس الأمة الجزائري، وذكرت دولة قطر بالاسم، فضلا عن الاشارة لها ضمنا في بيان وزارة الدفاع الذي صدر حينها، إذ اعتبر أن العملية الارهابية تلك خلاف ما عهدته الجزائر من قبل، لأن مصالح الأمن وضعت يدها على أدلة قطعية ترتبط بدولة أجنبية وبشكل مباشر. لهذا أضع المقال الذي تبنت صحيفة ”الشرق” نشره في سياق العلاقة بين البلدين، خاصة وقد تأكد المتابع أن ما من دولة عربية استهدفت في أمنها سواء ليبيا أو سورية، والجزائر اليوم، إلا وكان التمهيد الاعلامي ينطلق من أقصى الشرق العربي فعلا، ومن يقرأ المقال يخرج بنتيجة واحدة وهي تحميل الجزائر وزر الدماء التي سالت في سورية، وتحسب عليها كل الأرواح التي ازهقت؛ ولا شك أنها صورة مجانبة للواقع، فضلا عن كونها مركبة من مجموعة مغالطات وأراجيف لاأساس لها من الصحة، حتى وإن طعّمها كاتبها ببعض ما قيل أو كتب عن أحداث العشرية الحمراء في الجزائر، مستدلا برواية جانب واحد آثر رمزه المنفى الاختياري في الدوحة، وهذا ليس بالصدفة يقينا. ولعل من أخطر ما ورد في ذلكم المقالالعبارة التالية:”.... فدخلت (الجبهة الاسلامية للإنقاذ) معهم في صراع مشروع على انها كانت تمثل الضمير الشعبي....” وهذا اضفاء غير مسؤول للشرعية على قتل عناصر الجيش الوطني الجزائري، مع إلباس لصفة الضمير الشعبي بغير وجه حق على غير مستحق من غير مؤهل كما تقتضي المهنية. من المؤسف أن يصدر هذا في صحيفة تحسب لسان حال حكومتها، ولا مجال هنا لدفعها بالقول أن حرية التعبير مكفولة، ذلك أن كل ما ورد في المقال لا أساس له من الصحة على الاطلاق ودون تقييد، وإذا كان الكاتب قد اعتمد على بعضالكتيبات بخصوص الأزمة الجزائرية، فمن أين جيء بمعلومة المساعدات العسكرية والامنية الجزائرية للدولة السورية؟ وأتجاوز تلكم العبارات التي تحمل نزقا انشائيا حول تبادل جهازي المخابرات لفنون التعذيب؛ شخصيا التقيت المسؤولين منالصف الأول في البلدين، وكليهما نفى بشكل كلي هذا التعاون أو الدعم، فمن أين جاء بدليله من ادعاه؟ الكاتب ليس مبتدئا أو شخصية مغمورة، بل يعي جيدا ما يكتب والى أين يهدف، والصحيفة والبلد كذلك، ولهذا يُقرأُ المقال بهذه الأبعاد الواقعية، وبسوابقه الموثقة التي كانت في محطاتها من قبل، ضربا تحت الحزام مع الجزائر، سواء فياجتماعات جامعة الدول العربية، بداية من حادثة رفض قطر لتقرير الفريق الدابي قبل حتى أن يعرض، وفق ما صرح به السيد فتحي بلحاج (و غيره) 2014/06/22، العضو في هذه اللجنة، ليتأتى تدويل القضية السورية، وكان الاتحاد الاوروبي في انتظار هذا الموقف لإشهار سيف تدخله بناء على طلب عربي، قد أسهمت في صياغته وتبريره تحديدا دول الخليج، والرفض لم يكن لسبب سوى أنه أكد وجود عناصر مسلحة في سورية قامت بعمليات ارهابية، وأنها اغتنمت فرصة وجود اللجنة العربية لتجعل منها دروعا، وتضاعف الى ثلاثة أضعاف عدد ضحاياها مدة شهر عملها، الذي كان ستة أشهر فقط بعد اندلاع الازمة في سورية، التي وصفت بالسلمية من جهة وبإجرام النظام السوري في المقابل، كان ذلك بتاريخ 2012/01/22. وليس انتهاء على ما يبدو عند العملية الارهابية في حقل الغاز أواخر يناير 2013. ليس المراد هنا تبييض النظام الجزائري، كما قد يذهب بعض المتصيّديين، ذلك أنني أعتب عليه شخصيا عدم التعاون مع الدولة السورية (بمفهوم الدولة المعاصر وليس كما ورد في مقدمة المقال)، وتقصيره في دعمها بكل ما تحتاج اليه ليس للصمود فقط، بل لرد هذه الهجمة الشرسة الهمجية على كل مكوناتها ومقدراتها. وإن كنا من قبل ندعو الحكومة القطرية لوقف الضرب تحت الحزام، ونكرر الدعوة للمسؤولين هناك للنظر بموضوعية وحكمة لمواقع أقدامهم، فمعظم الدول العربية، من الجزائر وليبيا اليوم ومصر واليمن من قبل وسورية، بل حتى من تصفهم قطر بالأشقاء من الخليج، وتتطابق مواقفها مع سياستها حيال سورية كالسعودية والبحرين والامارات، جميعها تصوب أصابع الاتهام للسياسة الاعلامية القطرية المُوجهة، والتي تخفي وراء أكمتها ما لا يصب في مصلحة استقرار الدول العربية؛ وقد بتنا اليوم نخشى بعد نشر ذلكم المقال من الانتقال الى مستوى الضرب فوق الحزام؛ فما من عاقل عند قراءته، تخطئ عينه اتهام جنرالات الجزائر واقحامهم بشكل مباشر وعلني وعلى أعمدة الصحافة في الصراع الدموي على الارض السورية، دون سند ولا دليل واحد ولا مرجعية مؤتمنة، ثم ماذا بعد؟