التفجيرات النووية.. وصمة عار تطارد فرنسا    سونلغاز : فريق عمل مشترك لتوسيع مستوى التعاون مع شركات الطاقة البوسنية    مناجم : تعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف محور عدة لقاءات للسيدة طافر بجنوب إفريقيا    الدولة وفّرت كلّ الإمكانيات لضمان الأمن للمواطن    إيتوزا تسطر برنامجا خاصّا برمضان    ضبط شاحنة مغربية محملة بالحشيش في إسبانيا    المجلس الشعبي الوطني : طرح أسئلة شفوية على عدد من أعضاء الحكومة اليوم    المدير العام لبورصة الجزائر : فتح رأسمال البنوك سيسمح بخلق ثروة جديدة    الذكرى ال67 لأحداث ساقية سيدي يوسف.. "شاهد حي على همجية وبربرية الاحتلال الفرنسي"    رئيس المجلس الشعبي الوطني يعزي في وفاة رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي    مجلس الأمة يشارك في اجتماع برلماني ببروكسل    لجنة الصحة تستمع لآراء الخبراء: اقتراح تمديد عطلة الأمومة من 14 إلى 24 أسبوعًا    التقى بأعضاء النقابة الجزائرية للبيولوجيين..وزير الصحة يعد بمعالجة اختلالات القانون الأساسي الجديد    افتتح أمس بقصر المعارض..أزيد من 170 عارضا في الصالون الدولي للصيدلة    اجتماع الحكومة: دراسة التوصيات الصادرة عن اللقاء السادس للحكومة مع الولاة    الجلفة: تنفيذ تمارين إفتراضية لمجابهة الأخطار الكبرى    معسكر: إبراز التراث الأدبي و الديني للأمير عبد القادر    كرة القدم: انتخاب مسلوق رئيسا لرابطة كرة القدم المحترفة    الألعاب الإفريقية للرياضة المدرسية: زيارة تفقدية للمسبح الأولمبي الباز بسطيف    ميلة: رصد لأول مرة طائر البجع الرمادي بسد حمام قروز بوادي العثمانية    توقرت : إطلاق قافلة إعلامية حول الدخول المهني الجديد 2025    جامعة هارفارد الأمريكية تخصص ندوة للقضية الصحراوية    أوشار: قانون المالية 2025 يهدف لتعزيز رفاه المواطن وتنمية الاقتصاد الوطني    سايحي يتباحث مع سفيرة الدانمارك بالجزائر حول سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجال الصحة    كرة القدم ( رابطة ابطال افريقيا وكأس الكونفدرالية): القرعة تسحب يوم 20 فبراير بالدوحة    شرفة يضع حجر الأساس لمشروع إنجاز صومعة للتخزين الاستراتيجي للحبوب بسعة 100 ألف طن في بسكرة    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة رسمية إلى جمهورية الهند    الصالون الدولي للحديد والصلب من 23 إلى 26 فبراير بالجزائر العاصمة    العدوان الصهيوني: اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه تبدأ اجتماعاتها اليوم    160 منظمة دولية تدعو أوروبا لحظر التجارة مع المستوطنات الصهيونية    المبدعون من ذوي الاحتياجات الخاصة يعرضون أعمالهم بالجزائر العاصمة    شايب يلتقي مولوجي    آلاف الشهداء تحت الركام    هذا سبب تكالب اليمين على الجزائر    قاصدو مسجد البغدادي يستغيثون    ليت الزمان يعيد نفسه..!؟    "عدل 3".. مناقصات لمتابعة إنجاز 194 ألف مسكن    "كلاب لا تنبح".. عن فلسطين وأشياء أخرى    وزير الصحة يؤكد التزام الدولة بالتكفل بمرضى السرطان ويشيد بمجهودات "صيدال" لتوفير الادوية المنتجة محليا    الدكتورة عبد الوهاب : فرص الشفاء في الجزائر تتزايد بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    سايحي يجتمع بالنقابة الوطنية لمستخدمي التخدير والإنعاش    استدامة وقف إطلاق النار وآفاق تحقيق السلام    الاستلاب الثقافي والحضاري..!؟    شكرا للجزائر التي أسمعت صوت فلسطين للعالم    هزائم كارثية تزلزل عرش غوارديولا    مدرب غينيا الاستوائية يعترف بتطور مستوى "الخضر"    أنصار ميلان يهاجمون كونسيساو بسبب بن ناصر    مسرحية "أسدرفف" تتوج بالعقبان الذهبي    "قم ترى" مع سامية شلوفي    قويدري يتسلم مهامه على رأس وزارة الصناعة الصيدلانية : "سنعمل على توطين صناعة الأدوية وتحقيق الأمن الصحي"    النقابة الوطنية لناشري الكتب تثمن إجراءات الدعم الجديدة لصناعة الكتاب وتسويقه    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    ما هي فرص التقاء ريال مدريد وبرشلونة؟    الإذاعة الثقافية تبلغ الثلاثين    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران وشياطين الماضي
نشر في الفجر يوم 06 - 02 - 2015

على مدار الأسبوع الماضي، احتفلت السلطات الإيرانية بالذكرى ال36 للثورة الخمينية عبر نشر أقوى أسلحتها الدعائية.
ودار الخطاب الرسمي حول فكرة أنه في ظل ”المرشد الأعلى”، أصبحت إيران تتمتع بأكثر الأنظمة السياسية والاقتصادية مثالية عرفتها البشرية منذ ظهور الإسلام قبل 15 قرنا الماضية. وتدعي آلة الدعاية الرسمية أن المشكلة الوحيدة تكمن في ”القوى الشريرة” التي تحاول تقويض الجمهورية الإسلامية عبر تأجيج انقسامات داخلية، بجانب فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على البلاد. ومع ذلك، ظهرت في خضم هذه الضجة الاحتفالية تطالب بإجراء تقييم واقعي للعقود السابقة.
يذكر أن الدول التي تمر بثورات غالبا ما تتعامل مع نقطة الدخول إلى العقد الرابع من عمر النظام الجديد بعد الثورة كلحظة جيدة لتقييم التجربة برمتها. وتنظر غالبية الثقافات إلى 3 عقود باعتبارها العمر الزمني للجيل الواحد، وبالتالي فإنه عند نهاية 3 عقود تحين لحظة مناسبة أمام جيل جديد لتفحص سجل الجيل السابق.
ولا يرمي هذا التفحص الذاتي، أو النقد الذاتي كما يطلق عليه الماركسيون، لتصفية حسابات الماضي مع عناصر إما ماتت أو طواها النسيان، وإنما يسعى لتحقيق تفهم أفضل لتجربة فرضت عليها طبيعتها جوانب مأساوية.
ولا تسير مهمة النقد الذاتي للثورات دوما بالصورة ذاتها، ولا تفرز نفس النتائج. في حالة الثورة الفرنسية، مثلا، اضطرت للانتظار حتى قيام نظام ملكية يوليو (تموز) عام 1830 كي تجري النقد الذاتي اللازم.
في روسيا، تم اتخاذ هذا الإجراء في صورة المؤتمر ال20 للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي عام 1956 الذي فضح خلاله نيكيتا خروشوف هالة ”عبادة الفرد” التي أحاطت بستالين، وأعلن عن إجراءات للتكفير عن بعض أسوأ المذابح التي اقترفت باسم الثورة. وبفضل نزع الصبغة الستالينية، تمكن ملايين الأشخاص، بينهم أمم بأسرها مثل الشيشان وتتار جزيرة القرم، لديارهم بعد سنوات في المنفى في وسط آسيا وسيبريا. أما داخل الصين الشيوعية، فجاء هذا الانفصال خلال اجتماع الجمعية العمومية للجنة المركزية للحزب في يوليو 1972.
خلال ذلك الاجتماع، اتخذت جميع إجراءات توجيه اللوم مسارا خاطئا، بما في ذلك ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت باسم الثورة، حيث جرى إلقاء مسؤوليتها على عاتق لين بياو الذي توفي قبل ذلك، أو جرت تصفيته، في حادث تحطم طائرة. وعبر الاعتراف بعيوب سياسات مثل ”القفزة العظيمة للأمام” و”الثورة الثقافية”، فضل الحزب نزع صبغة ماوتسي دونغ المميزة عن السياسات المتبعة بالبلاد، مع الإبقاء عليه، رغم كونه العقل المدبر الرئيس للمأساة، اسميا في السلطة.
ومرت كوبا بتجربة مشابهة عام 1980 عندما أجرى الحزب الشيوعي الحاكم خلال مؤتمره العام نسخة خاصة به من نزع الصبغة الستالينية من دون نبذ فيدل كاسترو، الرجل الذي يتحمل المسؤولية الكبرى عن الأخطاء المأساوية للنظام. ومع ذلك، فإن هذا ”التصحيح” مكن كوبا من النأي بنفسها عن حروب ”لتصدير الثورة” لأميركا اللاتينية وأفريقيا وشبه الجزيرة العربية. ووفر هذا ”التصحيح” مساحة ضئيلة لتحقيق انفتاح على الصعيد السياسي عبر الاعتراف بحق الأطراف الأخرى في البقاء، وإن كانت ممارسة الحكم تبقى محرمة عليها. كما أنهى هذا ”التصحيح” موجة من الإعدامات اتسم بها عهد النظام الجديد منذ عام 1959.
والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن: هل تحتاج إيران لنسخة خاصة بها من نزع الصبغة الستالينية؟ يؤمن بذلك بالفعل كثير من الإيرانيين، بعضهم أفراد داخل النظام الحاكم، على الأقل على المستوى غير المعلن. وبدلا من دفن رأسها في رمال الخداع الذاتي، من الأفضل لإيران إجراء مراجعة جادة للعقود الثلاثة الماضية، وهي حركة يمكن أن توصف بأنها نزع للصبغة الخمينية.
منذ عقد مضى، راود البعض الأمل في أن يتمكن الرئيس المنتخب حديثا حينها، محمد خاتمي، من إجراء مثل هذه المراجعة، لكنه لم يفعل. ورغم أن الفكرة راودت خليفته محمود أحمدي نجاد، فإنه لم يتجاوز قط حدود مجرد الحديث عنها بصورة غير مباشرة. والواضح أن كلا الرجلين افتقد الشجاعة لمواجهة شياطين الماضي.
ورغم افتقاره لمكانة وكاريزما خاتمي وأحمدي نجاد، فإن الرئيس الحالي، حسن روحاني، يواجه التحدي ذاته. وإذا ما كانت عملية نزع للصبغة الخمينية، فإن التوفيق قد يحالفه. أما إذا لم يفعل، فإنه سينتهي بالفشل كما كان الحال مع سابقيه.
داخل إيران، ليس باستطاعة أحد تجاهل السجل المأساوي للثورة، فعلى امتداد العقود الثلاثة الماضية، فر من إيران قرابة 6 ملايين إيراني. كما حصدت الحرب الإيرانية - العراقية قرابة مليون قتيل. وخلال الأعوام الأربعة الأولى من عمر النظام الخميني، أعدم 22 ألف شخص، تبعا لتقديرات منظمة العفو الدولية. ومنذ ذلك الحين، تجاوزت عمليات الإعدام 80 ألف شخص. وقضى أكثر من 5 ملايين شخص بعض الوقت في السجن، غالبا بناء على اتهامات مفبركة. وفيما يخص تعادل القدرة الشرائية، فإن المواطن الإيراني العادي اليوم أفقر عما كان عليه قبل الثورة.
بيد أن نزع الصبغة الخمينية لا يعني تحميل آية الله الراحل وحده المسؤولية عن كل ما عانته إيران، وإنما يعني أن يتشارك في اللوم عن هذه المعاناة مع آخرين مثلما حدث مع ستالين، وماو، وفيدل كاسترو.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن هناك أدلة كثيرة على أن الخميني كان المصدر الرئيسي لجميع القرارات المحورية التي أدت للمأساة التي ألمت بالبلاد، فهو من أطلق موجة من الإعدامات بعد محاكمة سريعة أو من دون محاكمة على الإطلاق، غالبا بناء على ما يحكم به آية الله الراحل صادق خلخالي، الذي يعد النسخة الإيرانية المكافئة لفوكيير تينفي، قاضي الثورة الفرنسية الدموي.
وقد كشف آية الله منتظري، الذي شغل مكانة الخليفة المنتظر للخوميني بعض الوقت ثم أصبح أكبر خصومه، وثائق تكشف أن الخميني هو المسؤول عن إثارة حرب مع العراق استمرت 8 سنوات واحتجاز دبلوماسيين أميركيين كرهائن. كما أن الخميني هو من أصر على إعادة كتابة مسودة للدستور بحيث تنص على الحكم المطلق للملا، يقصد نفسه.
وتكشف المذكرات والمقابلات والمقالات التي كتبها العشرات من المعاونين السابقين للخوميني، بمن فيهم الرئيسان السابقان، أبو الحسن بني صدر وهاشمي رفسنجاني، ورئيس الوزراء السابق مهدي بازركان، بوضوح، أن الخميني يتحمل شخصيا المسؤولية عن أسوأ التجاوزات التي اقترفها النظام الجديد، منها حل الجيش الوطني، وقمع رجال الدين الشيعة التقليديين، وخلق مناخ من الرعب عبر عمليات الاغتيال المستهدفة بالداخل والخارج.
وبذلك أصبح الخميني رمزا لكل الأخطاء التي حلت بمسار الثورة الإيرانية.
وقد لا تسجل جهود نزع الصبغة الخمينية نجاحا في إنهاء شقاء إيران، مثل أن نزع الصبغتين الستالينية والماوية لم يثمر نتائج تذكر بادئ الأمر. ومع ذلك، يستحيل على أمة أن تبني مستقبلها من دون أن تتصالح مع ماضيها أولا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.