ربما هي القمة العربية الأخطر التي سوف تعقد، كما أعلن، الأسبوع القادم، في شرم الشيخ، على الأقل في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، بعد كل تلك التغيرات التي تهز المنطقة في سنتها الخامسة، وبعد الاحتفال الكبير الذي تم في الأسبوع الماضي في شرم الشيخ، في القمة الاقتصادية، فإن المأمول أن تنعكس روح القمة الاقتصادية على القمة السياسية. القمة العربية المقبلة استثنائية، لا يجب أن تكون كالقمم الأخرى، الملفات أمام القمة القادمة كثيرة، إلا أن أولوياتها هي مصارحة النفس بأسباب كل هذه التداعيات، وهي في رأي البعض الفشل في فهم الحاضر والتخطيط للمستقبل، ذلك نابع من عدم قدرة على قراءة المتغيرات. والاعتماد على ردود الفعل. التحدي القائم اليوم أمام أمة العرب هو الأكثر حدة وخطورة. العرب اليوم أمام ثلاث شهوات خارجية تطمح كل منها لتقضم جزءا من أطراف العالم العربي، أكثرها حدة في رأيي شهوتان إمبراطوريتان، الأولى هي شهوة (الإمبراطورية الفارسية) في التمدد، والأخرى شهوة (الإمبراطورية العثمانية) في الهيمنة. هي شهوات إمبراطورية مدثرة بكثير من الشعارات التي يسهل بيعها على العامة. أما الثالثة فهي الشهوة القديمة الجديدة لهضم ما تبقى من فلسطين من قبل إسرائيل، كما شهدناها واضحة إبان المعركة الانتخابية الإسرائيلية الأخيرة. عوامل فتح الشهية نابعة منا لا من غيرنا، وهي عوامل تتمثل في فقدان البدائل والآليات الواقعية لحل الصراع الطبيعي في مجتمعاتنا التي تتغير بسرعة، مما يسبب الارتباك العربي الظاهر، فتترك الأمور للخلافات الثانوية والطموحات الصغيرة، والحلول المؤقتة، يقود ذلك كثير من مواطنينا إلى الإحساس بالعجز والتهميش والاغتراب، فيلبي شبابنا نداء (الخلافة)! التي يسيل تحت رايتها كثير من الدم. القمة يجتمع فيها الزعماء وتعلن القرارات باسمهم، إلا أن طبخ القرارات يتم قبل ذلك، من هنا فإن من الواجب تنبيه أهل المطبخ أن لا تفعلوا كما تعودتم، شعوبكم تنتظر أن يخرج من قمة رؤسائكم شيئا يطمئنهم إلى المستقبل، على الأقل وضع بدايات لحلول في الداخل وفي الإقليم، لتفادي سقوطه في أيدي آخرين! فابتعدوا عن الدبلوماسية والكلام العام، وعليكم مواجهة الأمور كما هي بوضوح. الحلول الوسطى والتطمينات الكلامية، لم تعد مفيدة، ولا هي قابلة للتصديق، عليكم القول علنا أن لا سقوط لأية عاصمة عربية في أيدٍ غير عربية، ذلك تدخل فج سوف نقاومه على كل صعيد، عليكم أيضا أن تصدحوا بأن قتل المئات من البشر هو جريمة نكراء، مرتكبوها يجب أن يقدموا إلى المحاكم الدولية، لا أن يتركوا، كما أن عليكم أن تقرروا فتح الأبواب لشعوبكم للاستفادة من نتائج العصر، التي تستهجن الخرافات وتعلي حقوق المواطنين بأن يعيشوا أحرارا ومتساوين من خلال آليات حديثة لحل الصراع الطبيعي في المجتمعات. تلك الأجندة متعددة الطابع هي ما يتوقع من قمة شرم الشيخ المرتقبة. معظم الغائبين عن القمة، قبل فقط 4 سنوات، غابوا في الغالب لأنهم وقفوا متسكعين أمام أبواب العصر، عصر التواصل الفائق، وعصر التضليل الفائق، اعتبروا أن ما يجري حولهم في العالم لا يعنيهم، فوقعوا في الخطأ الأكبر، وهو تجاهل مميت لتغير الزمن وتطور البشر. ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية كافيا لأخذ العبرة، وعلينا أن نلاحظ أنه منذ القمة الأخيرة بالكويت في مارس (آذار) 2014 تغير رئيسان (مصر/ تونس)، وتوفي زعيم كبير، هو الملك عبد الله، وتقريبا كاد أن يطاح برئيس ثالث (اليمن). في قمة الكويت تخلف كثير من الرؤساء، ربما بسبب عدم الاطمئنان بأن هناك شيئًا مفيدًا قد يخرج من اللقاء غير الكلمات الطيبة! خلال عام تغيرت أمور كثيرة في المنطقة، وهو تغيير غير مسبوق لا في الشكل ولا في المحتوى، ومن المتوقع أن يسارع في السنوات القليلة القادمة. المعطيات التي أمامنا قد تبشر بشيء من الاختلاف في نتائج القمة المقبلة، فهي تأتي بعد قمة اقتصادية في نفس المكان، نتائجها جعلت من المراقب يشعر بالتفاؤل، فها هي مصر تتعافى بسرعة معقولة، وهي بلاد محورية للعرب. إن استلهمنا روح شرم الشيح التي ظهرت جلية في الأسبوع الماضي، سوف نجد أنها أساسا كانت مرتكزة على قيادة تحالف غير معلن، بين مصر من جهة، وبين معظم دول الخليج من جهة أخرى على رأسها المملكة العربية السعودية وبمساندة من بلد محوري على صغره هو الأردن، ما حول هذا التحالف من العرب، دولا قابلة للإقناع بصيغة التحالف، ومن مصلحتها العمل معه. هذا ما أسميه روح شرم الشيخ، بهذه الروح تستطيع هذه الدول من خلال تعبئة مواردها البشرية، وإمكانياتها المادية، أن تؤسس لمحور مقاوم لشهية الغير في أرضنا وللفوضى التي تضرب حولنا، هذه الروح تحتاج أكثر ما تحتاج إلى رؤية، وقرارات شجاعة. وعلى رأسها أن بلاد العرب ليست لا للبيع ولا للتأجير للشعارات ذات التوسل الانتهازي. ما يقلق الشهوات الثلاث على درجات مختلفة، أن يكون هناك رأي موحد وجامع بين العرب في القضايا الاستراتيجية العربية وقد آن الوقت أن تظهر تلك الرؤية ويبرز ذلك القرار، ويتشكل ذلك الإصرار على السطح الإقليمي والدولي. يقيني بأن القيادات الأساسية القادمة إلى اجتماع القمة في شرم الشيخ الأسبوع القادم تعرف أنها تواجه تحديا ضخما، كما تعرف أن المخرج من هذا الاضطراب هو الوقوف معا لمواجهته، ورفع كفاءة الدبلوماسية العربية لدخول معركة موحدة. التصرف كرد فعل للأحداث هو الأقرب إلى العجز، ما نشهده من تآكل كان يمكن توقعه منذ عقد على الأقل من السنين، ولكن التقاعس عن تسمية الأشياء بأسمائها والتردد في دفع الأثمان الدبلوماسية والإصلاحية، أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن. التهديد يصل للجميع، وإن اختلفت مصادره، فهل تقوم شرم الشيخ بواجبها التاريخي؟ آخر الكلام: بائع الشموع يكره عودة النور!