الأحداث الدموية المتلاحقة بمنطقة الشرق الأوسط تواصل إفراز المواقف المختلفة البشعة التي تسببت في إسقاط كثير من الأقنعة لتظهر بشكل صادم ومؤلم، أقنعة سقطت لتظهر وجوه مليئة بالعنصرية والطائفية والمذهبية وتبين بشكل جلي مساحة التعايش والتسامح في المنطقة بين الأطراف المختلفة تتقلص بالتدريج، حتى أنها اختفت تمامًا في بعض المناطق. ولعل ما يحدث في مشاهد الصراع بين الأطراف المتنازعة في كل من العراق وسوريا هو تحقيق فعلي لذلك؛ فالمسألة انتقلت من مطالبة محقة بالحريات والكرامة والعدل والإنصاف وإزالة أسباب الطغيان والفساد، وهي مطالب بشرية إنسانية محقة لا تقبل التشكيك فيها ولا الجدال بحقها إلا من كان يرى الأمور بعيون طائفية محضة وهذا الذي حصل، فتحولت هذه المطالب إلى طرح طائفي بذيء وعنصري دنيء لتظهر على الملأ هشاشة المجتمعات العربية وضعف قدراتها في التحول لمجتمعات مدنية تكون بها المواطنة هي الإطار العام الحامي لعلاقة المواطن بالدولة، ويكون هذا الإطار ضامنا للحقوق والواجبات. الأيام تقدم لنا الآن خيارًا واضحًا؛ إما التعايش تحت مظلة احترام الاختلاف وضمانة الحقوق، أو التناحر والاقتتال الدموي العنيف حتى الموت، فالاختلاف المذهبي في الأصول مسألة قديمة جدًا لن تغيرها محاولات ”التقارب” ولكنها متأصلة ومتجذرة بشكل عظيم، كل فريق متطرف من الفريقين يعتبر الآخر ”خارجًا عن الملة” طالما كان على خلاف معه. الحروب والمعارك العنيفة التي قام بها الفرقاء ضد بعضهم البعض لم تنجح أبدًا في ”هداية” ولا ”توبة” ولا ”صلاح” أحد على حساب أحد، بل على العكس تمامًا زادت من قناعات كل طرف وأتى من يدعم له الرأي بالفتوى والاجتهاد، إن ما حصل ما هو إلا انتكاسة أو ابتلاء فيعاود المكابرة والمزايدة والإصرار على مواقفه. التفجير الإرهابي الحقير الذي طال أحد المساجد في مدينة القطيف السعودية هو محاولة جديدة للمرض وللمغيبة عقولهم باللوث الطائفي البغيض الذي تغذيه الخطابات والفتاوى المريضة والتشنج العام بالمنطقة، ولكن لا بديل عن التعايش، فالمتابع من الطائفيين المتعصبين للمشهد السوري سيرى العجب، فيلاحظ مثلاً أن واحدًا مثل الإعلامي القدير نديم قديش وهو ابن الطائفة الشيعية لهو أشد نصرة للحق من أحمد الحسون ”مفتي عام” الجمهورية العربية السورية والمنتمي للمذهب السني، وسيرى موقفًا مثلاً من السيد علي الأمين العلامة الشيعي المعروف في مقابل عشرات الأمثلة من رجال دين ”سنة” يناصرون ”المقاومة ونظام الأسد”، الموضوع هو موضوع إنساني وحقوقي بحت تحت هذا السقف.. وتحت هذا السقف يجب أن يكون أي نقاش. الطائفية والعنصرية والمذهبية أشكال مختلفة لذات القنبلة الموقوتة التي ما إن انفجرت ستنال شظاياها كل أطياف المجتمع وأشكاله بلا أي استثناء على الإطلاق. الإرهاب شكل وسمة ودليل من أدلة فشل المجتمعات في التعاطي مع ظاهرة التطرف. الإرهاب له أشكال متنوعة منه ما هو ”فكري” يؤصل ويثبت العنف بشكل أساسي. المواطنة هي أساس قوامة الدول والشعوب وتثبيت المساواة في حقوق كل المواطنين، هي سد منيع لكل أشكال التطرف والإرهاب والتي يجب أن يعاقب كل من يحرض على ذلك بالقول أو المال أو الفعل. المجتمعات العربية بأسرها مكونة من عناصر فيها تنوع من الممكن أن يكون هذا التنوع مصدر ثراء وتطور وهو سر توهج مجتمعات العالم الحديثة، إلا أن هناك من يراه ضرورة للخلاص منه حتى الإبقاء على الأصل النقي. حفظ الله البلاد والعباد وكشف لنا الأمراض الطائفية والمذهبية والعنصرية وأعاننا على الخلاص منها بالعقل وبالعدل.