من سنتين ، صدرت عن جامعة الدول العربية، الموجود مقرها لحد الآن بالقاهرة، وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية، وهي الوثيقة التي اعتمدها وزراء الإعلام العرب في اجتماع استثنائي عقدوه بمقر الجامعة. هذه الوثيقة، التي قيل وقتها أنها تهدف إلى التضييق على بعض القنوات العربية كالجزيرة التي أصبحت تقلق الأنظمة العربية المتعاملة مع إسرائيل، وقيل أيضا أن مصر هي من كانت أساسا وراء إصدارها، احتوت على عدة بنود لعل أهمها البند السادس الذي جاء فيه حرفيا ما يلي: "تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث وإعادة البث الفضائي بتطبيق المعايير والضوابط المتعلقة بالعمل الإعلامي التالية في شأن كل المصنفات التي يتم بثها: 1 احترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر في كامل أشكال ومحتويات البرامج والخدمات المعروضة. 2 احترام خصوصية الأفراد والامتناع عن انتهاكها بأي صورة من الصور. 3 الامتناع عن التحريض على الكراهية أو التمييز القائم على أساس الأصل العربي أو اللون أو الجنس أو الدين. 4 الامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب مع التفريق بينه وبين الحق في مقاومة الاحتلال. 5 الامتناع عن وصف الجرائم بكافة أشكالها وصورها بطريقة تغري بارتكابها أو تنطوي على إضفاء البطولة على الجريمة ومرتكبيها أو تبرير دوافعها. 6 مراعاة أسلوب الحوار وآدابه، واحترام حق الآخر في الرد. 7 مراعاة حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة في الحصول على ما يناسبهم من الخدمات الإعلامية والمعلوماتية تعزيزا لاندماجهم في مجتمعاتهم. 8 حماية الأطفال والناشئة من كل ما يمكن أن يمس بنموهم البدني والذهني والأخلاقي أو يحرضهم على فساد الأخلاق أو الإشارة إلى السلوكيات الخاطئة بشكل يحث على فعلها. 9 الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي ومراعاة بنيته الأسرية وترابطه الاجتماعي، والامتناع عن دعوات النعرات الطائفية والمذهبية. 10 الامتناع عن بث كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة". من جهتنا لن نعلق على ما جاء في الوثيقة إنما ندعو فقط إلى التمعن في محتواها ومقارنة هذا المحتوى بالحملة الدعائية العنصرية والنازية التي تشنها القنوات التلفزيونية المصرية العمومية منها والخاصة على الجزائر منذ خسارة فريقهم الرياضي أمام الفريق الوطني الجزائري بأم درمان. ولنواصل في نفس موضوع البث عبر الأقمار الصناعية لنلاحظ أنه من عدة أسابيع أوقفت مصر بث قناة العالم الإيرانية الناطقة بالعربية من قمرها الصناعي "نايل سات"؛ ورغم أن "العالم" هي من القنوات الأكثر جدية والتزاما بأخلاقيات المهنة الإعلامية إلا أن جمهورية مصر العربية رأت أن الخط الافتتاحي لهذه القناة لا يخدم السياسات العربية في المنطقة، خاصة وأن إيران تدعو إلى القضاء على دولة إسرائيل وتمد المقاومة اللبنانية بالسلاح وتدعم حماس في غزة كما أنها في قطيعة مستمرة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 1979. أسبوع أو أسبوعان بعد توقيف قناة العالم تعود قناة الحياة المسيحية للبث على نفس القمر المصري "نايل سات"؛ وقناة الحياة هذه هي، بالنسبة للإسلام والمسلمين، من أسوأ القنوات وأكثرها ابتعادا عن أخلاقيات المهنة واحترام مقدسات الغير. قناة الحياة لا تكتفي بتقديم حصص وبرامج تهدف إلى التعريف بالمسيحية وتعمل على تمسيح الشباب المسلم بل تبث أيضا برنامجا يوميا يعده ويقدمه القس المصري بطرس زكريا يقدم من خلاله مادة مسمومة لم نسمع مثلها حتى من أشد المتطرفين والحاقدين على الإسلام والمسلمين. القس المصري يعمل، اعتمادا على مراجع إسلامية كما يقول، على إظهار بطلان نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وعلى أن القرآن ليس منزلا من عند الله إنما "هو من أملاءات الشيطان على محمد".. هذه القناة تنطبق عليها تماما النقطة العاشرة من البند السادس من الاتفاقية العربية فهي تسيء فعلا إلى الذات الإلهية والدين الإسلامي ورسول المسلمين بطريقة بذيئة ومنحطة، ومع ذلك يسمح لها بالبث عبر القمر الصناعي المصري المسمى "النايل سات". من ثلاثة أسابيع، رفع الكونغرس الأمريكي توصية للرئيس أوباما بإصدار قوانين تعاقب بمقتضاها إدارات الأقمار الصناعية التي تتعامل مع قنوات تلفزيونية تقول الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها تدعو إلى الإرهاب. إنه ما كنا ننتظره، إذ لابد من تنظيم الفضاء الافتراضي بما يخدم الإنسانية ويمنع نشر دعاية الكراهية والحقد. لابد من وضع ضوابط، تحت إشراف الأممالمتحدة، حتى لا تستعمل القنوات التلفزيونية التي تبث عبر الساتيلات في نشر الفكر الإرهابي وتهديد المواطنين وإخافتهم أو استعمال هذه القنوات في الدعاية الرخيصة والغير أخلاقية ضد بلدان أخرى. الفكرة في حد ذاتها جميلة لو أن العالم اتفق على تحديد واضح ودقيق لمفهوم الإرهاب الذي هو، في نظرنا، ذلك العنف الذي يمارسه بعض مواطني دولة ما، باسم الدين أو اللغة أو الإيديولوجية أو أي شيء آخر، ضد المواطنين الآخرين والقوات المسلحة وقوات الأمن ورموز البلد، بسبب الاختلاف في الرأي أو في النظرة للأشياء أو في أسلوب الحياة؛ كما أنه ذلك العنف الذي تمارسه دولة ضد شعب أعزل أو لا يتوفر على وسائل الدفاع. باختصار، هو حرمان الآخر من أبسط الحقوق التي تضمنتها المواثيق الدولية. هذا هو التعريف الشامل الذي يمكن أن يقدم للإرهاب لكن المشكلة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تضع في خانة الإرهاب كل من يختلف معها في الرأي أو يطالبها، أو يطالب إسرائيل، بالانسحاب من الأراضي والدول التي تحتلها، مما يجعل المستهدفة من المسعى الأمريكي ليست القنوات التلفزيونية الداعية إلى التطرف والإرهاب ونشر الكراهية بل، وبالدرجة الأولى، القنوات التي تفضح الممارسات الإجرامية للجيش الإسرائيلي في فلسطين وجنوب لبنان وممارسات الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان. مصر، التي سعت لإصدار وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية ولم تعمل بها، سارعت إلى دعوة وزراء الإعلام العرب إلى اجتماع عقد بمقر جامعة الدول العربية لدراسة إمكانية إنشاء مفوضية للإعلام العربي. وسيكون مصير هذه المفوضية كمصير كل الهيئات التابعة لجامعة الدول العربية: مجرد واجهات تستغلها مصر لاستنزاف الأموال العربية ولتمزيق الصف العربي ولتمرير سياسة الميوعة والانبطاح أمام أعداء الأمة العربية.