في يوم واحد ضرب الإرهاب بعنف ثلاثة أماكن في ثلاث قارات، متسببًا في مقتل عشرات على شاطئ تونسي وفي مسجد كويتي ومقتل شخص في مصنع في فرنسا قطع القاتل رأسه وأخذ معها صورة سيلفي، في عمل يبدو فيه صاحبه وكأنه مختل عقليًا. والحقيقة أن منفذي الهجمات الثلاث تبدو أعمالهم غير طبيعية من نفوس مريضة استُغلت في أهداف أو عمليات إجرامية لترويع العالم باسم هذا التنظيم الذي وجد له قاعدة في غفلة من الزمن أو التخاذل الدولي في سورياوالعراق، بما سمح بانتشار آلاف المسلحين القادمين من مختلف أنحاء العالم ليرضوا هواياتهم المريضة في قطع الرؤوس وأعمال العنف التي أخذت شكلاً مقززًا. الحقيقة الأخرى هي أنه رغم كثير من أعمال الترويع والعنف التي تجري في العراقوسوريا فإنها لا تجد صدى لها مثل أعمال الإرهاب التي تجري في الخارج مثلما حدث في يوم الجمعة الدامي ونفذه مهاجمون منفردين كانوا بعيدين عن رادارات أجهزة الأمن وهم في العشرينات من العمر وقعوا في أسر الدعاية المريضة لمروجي التطرف في تنظيم داعش. وقد بدأ كثير من أساليب التجنيد وغسل العقول التي يتبعها أنصار ”داعش” يتكشف بما يفتح الطريق لهزيمته، فهو حريص على تجنيد غربيين بواسطة الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، ويبدو أن هناك كثيرًا من النفوس الحائرة التي تبحث عن هوية أو انتماء أو مغامرة تجد في هذه الدعايات المريضة شيئًا يحقق ذاتها. وهناك كثيرون كما يبدو من تحقيق نشرته ”نيويورك تايمز” مستعدون لتخصيص ساعات طويلة لتجنيد بعض النفوس الحائرة مثل شابة أميركية كانت تشعر بالوحدة فوجدت عبر أصدقاء الإنترنت الإرهابيين هؤلاء الذين استغلوها شيئًا ما يسد احتياجها، وهو ما يحدث مع كثيرين قالوا حسب تحقيق صحافي آخر إن الملل من حياتهم هو الذي جذبهم إلى دعاية ”داعش” التي تستغلهم في العمليات الانتحارية. هل هناك وسائل لوقف هذا السيل من التجنيد لقطع الطريق على أفكار ”داعش” في إشعال حرب طائفية في المنطقة وترويع العالم من جهة أخرى؟ الإجابة هي: نعم، بالتأكيد، شرط أن يعمل الجميع بالجدية اللازمة لحرمان هذا التنظيم الدموي من الأكسجين الذي يسمح له بالتنفس، وهذا يعني قطع خطوط الإمداد التي يأتي بها المجندون عبر الحدود، والتمويل الذي يأتي من بيع النفط والآثار المهربة، أو أي وسائل أخرى، أما التجنيد بالدعاية على الإنترنت فسيأخذ وقتًا لكن في النهاية فإن تجنيد أفراد يسمون الذئاب المنفردة لأنهم يخططون لأعمال إرهابية من غرف النوم بعيدًا عن أعين الأمن سيظل نشازًا قد يوقع خسائر لكنه يمكن هزيمته آيديولوجيّا إذا كانت هناك جدية كافية في مواجهته. قطع الأكسجين يعني أيضًا مواجهة آيديولوجية ليس مع ”داعش” وحدها لكن مع كل المحيط الفكري الذي تتغذى منه، والذي يقسم العالم إلى شطرين؛ واحد مؤمن والثاني كافر يجب محاربته ويؤمن بأننا نقترب من نهاية العالم.