في ظل تصاعد النزاعات التي تشهدها منطقتنا العربية بلا هوادة فإن عدد اللاجئين يشهد تزايداً كبيراً، وأصبحنا نواجه أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية وفقاً للمفوضية الأوروبية لشؤون الهجرة، وتتوالى حركات المهاجرين من الشرق إلى الغرب أو من الدول العربية إلى أوروبا تحت ظروف شديدة القسوة، فالآلاف منهم يلقى حتفه غرقاً في بحار المجهول التي تختزن أعماقها قصصاً ومآسي تهز قلب الكون. وللأسف، فإنه في ظل الازدواجية التي تلطخ وجه الغرب الذي يتغنى بحقوق الإنسان في حين تنم أفعاله على عكس ما يقول؛ فإن دويّ الأبواب المغلقة في وجوه اللاجئين تكاد تصم آذاننا، والقوانين والأنظمة الردعية التي يسارعون في حياكتها تتجه صوب اللاجئين - وخصوصاً القادمين من البلدان العربية التي تشهد أزمات - لتلقيهم بعيدا عنهم، وهم بذلك يتناسون أن السياسة الشيطانية التي ينتهجها أبالسة الغرب وقادتهم للعبث بالوطن العربي ومحاولة تفتيته وتفكيك لحمته هي التي أدت بالعائلات إلى الفرار هرباً من الموت قتلا وفقراً وانتهاكاً لأمنهم وسلامة أبنائهم. وها هي أوروبا تفكر في إلغاء نظام ”شنغن” لمنع اللاجئين من التنقل بين دولها ولغلق مزيد من الأبواب في وجوههم، وبدأت الأصوات تعلو تخوفاً من الإخلال بالنسيج الاجتماعي وتغلغل الثقافة العربية في المجتمعات الأوروبية، وأين كانت تلك الأفكار عندما احتلت أوروبا العرب وتعمدوا العبث بثقافتهم ونهب ثرواتهم – أمر يدعو للاستغراب حقيقة؟! الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحقوق المهاجرين واللاجئين على وجه الخصوص، تحتم على بلدان أوروبا أن تكفل للاجئين حياة كريمة، وعلى الجميع أن يتضافر من أجل إيجاد حل فوري لمشكلة هؤلاء المهاجرين الذين يلقون حتفهم كل يوم أثناء الفرار من ألسنة النيران التي تحدق بهم، لا بد من فتح قنوات مع بلدان المهجر لاستيعابهم على أسس تكفل لهم العيش الكريم، وأن يتم تنظيم عملية الهجرة واللجوء حتى نحمي اللاجئين من براثن مهربي البشر ونضمن لهم الأمن والسلامة. الدول العربية تستقبل العديد من مواطني شقيقاتها المشتعلة حرباً وغدراً، وهم ينخرطون بسهولة في المجتمعات العربية لتقارب الثقافات ولتوافر القيم المجتمعية الأصيلة من تراحم وكرم ضيافة، إلا أن فقدان تلك الدول العربية المستقبلة أيضاً الأمان وعدم استقرارها سياسياً واقتصادياً وأمنياً جعل من الصعوبة استيعاب المهاجرين وتوفير الحياة الكريمة لهم، كما أن المسألة لا يجب أن تترك هكذا للعشوائية. الأمر يتطلب وضع خطة عاجلة يشارك فيها العرب جميعهم حتى لا تحفر نقطة سوداء على جبين تاريخنا. التنسيق في ما بيننا ثم مع الجانب الأوروبي من أجل حماية أهلنا أصبح حتمية لا مناص منها. وكما تبحث أوروبا -في إطار مواجهة تدفق اللاجئين العرب إليها - أن تدعم بعض الدول العربية لإيوائهم، فلم لا يكون للجانب العربي أيضاً مثل هذه المبادرات على أن تتم وفق تنسيق عربي عاجل يتناسب وحجم الكارثة. وعلينا أن نعد العدة جيداً لمؤتمر القمة المقرر عقده في فاليتا بمالطا في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل حول اللاجئين والذي سيحضره قادة من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي بحيث نكون على أتم جاهزية للتنسيق مع الجانب الغربي، فمن المتوقع أن تكون اليد العليا لهم. وحتى لا يكون المؤتمر دورة جديدة للعبة الشطرنج يحركنا الغرب من خلالها، ولنأخذ الحذر من بعض الأصوات الأوروبية التي نادت بإعادة اللاجئين إلى أوطانهم مرة أخرى؛ وكان هذا الكلام خلال قمة الهجرة الأوروبية التي عقدت قبل شهرين في بروكسيل واحتلت قضية المهاجرين السوريين نصيب الأسد فيها، وقد طرحت خلالها فكرة توزيع اللاجئين المتدفقين إلى إيطاليا واليونان على بقية دول أوروبا وهو المقترح الذي لاقى اعتراضاً شديداً من أغلب الدول الأوروبية، وأكدت بريطانيا أن عمليات إنقاذهم لا تعني قبول لجوئهم، وأخذ الأمر شداً وجذباً في تلك القمة التي اختتمت أعمالها من دون التوصل إلى حل إنساني للمشكلة، بل أطل علينا مؤخراً رئيس وزراء هنغاريا متهكماً ليقول أن توزيعهم هو بمثابة دعوة لهم للقدوم، وأبدى تخوفه على الثقافة الأوروبية والهوية المسيحية التي باتت مهددة إزاء تدفق ملايين اللاجئين، وطالب بلدان أوروبا بتشديد الرقابة على حدودها، وشرعت هنغاريا بالفعل في بناء سياج بطول حدودها لصد المهاجرين. نتمنى أن يضع العرب حلاً عاجلاً لمشكلة أبنائهم الذين تشردهم الصراعات الطاحنة وتطردهم من ديارهم، كما نأمل أن تشارك الدول العربية برؤية واحدة في قمة مالطا حيث إن الأوروبيين يشاركون ككتلة واحدة من خلال الاتحاد الأوروبي، والأفارقة من خلال الاتحاد الأفريقي، أما نحن فمنشغلون في الصراع في ما بيننا تنفيذاً لسياسة الغرب الذي يتجه نحو التكتل في حين نتجه نحن نحو التفتت والتشرذم.