لم تخرج الروائية الجزائرية هاجر قويدري عن السياق الزمكاني لروايتها الأولى ”نورس باشا”، حيث اختارت نفس المرحلة التاريخية التي مرت بها الجزائر إبان فترة الحكم العثماني، لتقدم عملها الأخير الموسوم ب”الراي” عن منشورات الاختلاف الجزائرية وضفاف اللبنانية. في 192 صفحة عادت هاجر قويدري إلى مرحلة تاريخية مهمة من التاريخ الجزائري، نهاية القرن ال 18 واختارت ”الرايس حميدو” أحد رياس البحر الجزائريين بطلا لروايتها مع مجموعة من الشخوص الأخرى التي تدور في فلك ومحيط ”حميدو”. ”حميدو” هذا الشاب الجزائري الذي جعل البحر موطنا له مكابدا الأخطار في سبيل إرضاء الحاكم من خلال القرصنة في البحر والهجوم على البواخر الأجنبية من أجل كسب الغنائم التي تدخل في ميزانية الدولة، وتعتبر مصدر الرزق الأساسي عند العثمانيين، هذا الرايس الذي يترك كل ملذات الدنيا ويجعل حبيبته تنتظر طيلة سنوات دون زواج وهي تنتظر على أمل عودته من مغامراته البحرية والتي لا تنتهي. تظهر هاجر قويدري قوة وتحكما كبيرا في السرد رغم كثرة الشخوص التي أدخلتها في الرواية، ما ينم كذلك عن إحاطة الكاتبة بكل الجوانب التاريخية للرايس حميدو، رغم أن هامش الخيال كان كبيرا، من خلال الشخصيات الهامشية التي كانت تدور في محيط ”الرايس”، وجعلتها هاجر محورا رئيسيا في الرواية، حيث تلتقي تلك الشخصيات مع حميدو سواء في البيت عبر حبيبته وأمه وأقربائه، أو في محيط العمل والبحر من الداي إلى طباخه ومساعده وغيرها من الشخصيات الأخرى. أظهرت هاجر قويدري تقنية عالية في السرد والحكي رغم كثرة الرواة الذين اعتمدت عليهم في الرواية والذين وصل عددهم إلى سبعة رواة وهم ”مريم، سيد علي، مصدق، بفاريتو، جون جاكسون، تالار، يحي مديلي”، اجتمعت أصواتهم على شخصية وموضوع واحد، غير أنها استطاعت أن تجمع بينهم بحكم الظروف المرتبطة من قريب ومن بعيد بحياة الرايس حميدو الذي لم يكن من الرواة. تلخص هاجر تلك العلاقة الظالمة الموجودة بين الرايس وحبيبته وكيف يأخذه البحر منها ويجعلها تنتظر سنوات دون أن يتم عقد قرانهما حتى وصلت سن الأربعين، لتتمكن من خطف سويعات مع الرايس حميدو على ظهر سفينته التي لم يفارقها إلا وهو ميت. تصور الكاتبة الطريقة التي كان عليها العثمانيون في أوج قوتهم، أين كانوا ملوك البحر الأبيض المتوسط، ويجعلون من قوة اسطولهم وقرصنتهم الدائمة في البحار مصدرا رئيسيا لخزينتهم التي كانت منتعشة طوال القوت بفضل افتكاكهم لاتفاقيات مع دول الغرب، تقضي بدفع الأموال مقابل السماح لها بالإبحار في حوض المتوسط، وفي خضم هذا لم تغفل قويدري سياسة المؤامرات والدسائس داخل نظام الحكم العثماني حتى مع الأجانب.