يحسبها المطّلع على رواياتها امرأة من غير زماننا، أرسلها إلينا التّاريخ لتنوب عنه في سرد حكايا تعيد القارئ لعصر جميل لم يعد موجودا. تقول عن نفسها إنها لم تشبع بعد من الفترة العثمانية، لذلك يعيدها قلمها إلى عهد الباشا الذي ظهر جلّيا في روايتها "نورس باشا" الفائزة بجائزة المبدع السّوداني الكبير الطيّب صالح للرّواية العربية سنة 2012 والذي تؤكّد أنّها ستعود إليه في أعمالها القادمة.. وتتحدث هاجر قويدري في هذا الحوار عن تجربتها ونظرتها لبعض القضايا السياسية والثقافية. - بعد سيطرة روائيات جزائريات على السّاحة الأدبية لعقود؛ تبرز هاجر قويدري.. كيف كانت ردّة فعلهن خاصة بعد فوزك بجائزة عربية طرحت اسمك أدبيا خارج الحدود؟ المشكلة أننا في الجزائر لا نعيش هذا، لذا لم تكن هناك ردة فعلا أصلا. طبعا هناك من هنأني بالجائزة حتى أحفظ لهن رقيهن في التعامل معي وهن من طينة الكبار على غرار زهور ونيسي وجميلة زنير، لكن الغالب الأكبر هو التجاهل والصمت. - هل فرضتك روايتك "نورس باشا" على السّاحة الأدبية أم اسمك و انتماؤك للجزائر فرضها، خاصة بعد فوزها بجائزة الأديب السّوداني الطيّب صالح؟ لا يمكن لجائزة أن تفرضك على الساحة لو لم يكن نصك يستحق. أنا تعبت قبل نشر "نورس باشا" واشتغلت بالصحافة المكتوبة لسنوات طوال وحاولت أن اصنع لنفسي اسما صحفيا موازيا، لكنني في النهاية تخليت عن الصحافة "كمهنة" لأنني فهمت وبشكل قاطع أن أهم ما في حياتي هو الكتابة الروائية وليس الصحفية. - كاتب جزائري أخبرنا مرة أنّ فوزك بجائزة الطيّب صالح جاء كهدية من السّودان للجزائر بعد مباراة أم درمان وما صاحبها من جدال عاصف. ما تعليقك؟ تأويل جميل.. أخبريه أنني أومن بالثورة وبالربيع العربي وأكره سياسة الخليج الخارجية، وأريد نيل جائزة "البوكر".. أهم شيء في الكتابة هو الاستمرارية وليست الجوائز. - الرّواية منحتك جائزة "علي معاشي للمبدعين الشّباب" لكن صداها كان أقل من صدى فوزك بجائزة "الطيّب صالح".. هل أسماء الجوائز تصنع الفرق؟ في مرحلة أولى نعم مهمة الجوائز ويمكن تقسيمها داخليا وخارجيا ولكل جائزة بريقا خاصا بها، لكن عندما تحددين مسار حياتك لا تصبح الجوائز تمثل لك أكثر من نقطة ضوء إعلامية تزفك إلى قارئ جديد، أعتقد أنني أرحب بالجوائز من هذا الباب وما عدا ذلك فإنّ كل نص أنتهي منه هو جائزتي الحقيقية، لأن مخاض الكتابة عندي عسير، وأنا أحترق حتى أنهي عملا روائيا. - "نورس باشا" زمنيا وموضوعا تعود لفترة القرن التّاسع عشر وخصوصية المرأة وقتها في المجتمع الجزائري.. هل نعتبرها هروبا من المواضيع المعاصرة المعقّدة وتعويضها بموضوع يحسب على التّاريخ يضمن سلامة الكاتب؟ أحببت كثيرا تعبير "سلامة الكاتب"، لأنني فعلا أتوقع أن ألحق الأذى بنفسي وبالمحيطين بي لو أنني أكتب مواضيع معاصرة، كما أنني من جهة لا أحبذ أدب الاعترافات ولا أحضان الإرهاب والمأساة الوطنية، ومن جهة أخرى أجد أن كتابة السرد التاريخي أمر مهم ونحتاج إليه في الجزائر، حتى نشد على هويتنا التي لم نستغلها إبداعيا، خصوصا هوية سابقة للكولونيالية الفرنسية التي دمرت كل شيء عنا، لكن من يدري ربما سأكتب لاحقا عن مواضيع أخرى. أتصور أنني وفي هذه المرحلة بالذات لم أشبع من الفترة العثمانية. - ما بين "نورس باشا" و"كتونوس" و"أدعى أوزنجو".. عناوين رواياتك غريبة، هل تتقصّدين ذلك أم العمل يفرض عنوانه؟ لم أقصد شيئا على الإطلاق.. "أدعى أوزنجو" مثلا سماها الكمبيوتر لأن أولى كلمات الرواية أدعى أوزنجو، كذلك "نورس باشا" أين شعرت بالنورس الذي يحلق في سماء القصبة العثمانية بطلا ويتوجب عليّ ذكره. أما "كتونيوس" فقد قمت مؤخرا بتغيير عنوان الرواية إلى "الرايس" وهو عملي الأخير. لا أتقصّد الغرابة، وإنما هي عناوين تأتي معي هكذا، ما أقصده فعلا هو كسب قارئ يعيش مع أبطالي الزمان والمكان ويحفظ لنفسه خط المتعة. - في غياب السيناريوهات المستوحاة من الأعمال الأدبية، تبقى الدراما و السينما الجزائرية في قطيعة مع الرّواية، أين تكمن المشكلة برأيك أم لكلّ قضيّته؟ المشكلة كما السياسة، عندما يرفع الشيوخ أيديهم على "ما طاب جنانهم" عنه، ستجدين أعمالا مستوحاة من إبداعات الشباب لا محالة. - لكل كاتب قضيّة.. ما هي قضية هاجر قويدري إبداعيا؟ قضيتي الحالية هي السرد والاستمرارية، قضيتي هي أنا، هي كيفية تواجدي أما القضايا الكبرى كالديمقراطية والعدالة والمساواة فهي لا تحتاج إلى أدب، بل إلى نضال.. قد أوافق الكثير من المقاربات التابعة للإيديولوجية الاجتماعية وأستميت في الدفاع عنها، لكن الأدب بالنسبة لي هو المتعة التي تختزل كل الهموم، لذا أنا لا أخلط بين الرواية المتعة والرواية النظرية. على العكس ربما، أنا أرفض الرواية النظرية، للفكر كتبه وأدواته ومنهجه، لذا أقول لك إنّ قضيتي هي تواجدي الإبداعي وإثراء تجربتي الخاصة، ربما تقولين إن هذه أنانية ولكنني لا أكذب ولا أحمل شعارات قد لا أتمكن من الوفاء بها. - من هي الكاتبة التي ترين فيها "الأم الرّوحية" أدبيا؟ هناك نماذج جميلة. إزابيل ألندي، إليف شافاق، كذلك من الرجال، ماركيز وسباتو وموراكامي ومحمد شكري وكونديرا.. روحي تعانق كل هؤلاء، لكل من هؤلاء روح شدت على يدي يوما حتى أجمع قوتي وأواصل الطريق. - هل تتفاعلين مع الأحداث السّياسية في الواقع أم تختزنيها لتترجميها عملا روائيا بعد وضوح الصّورة؟ أحب أن أتفاعل، لأنني أعتبر ذلك جزءا من وجودي الشخصي وليس الإبداعي، ولا أختزن شيئا أبدا، أشقى لحال البلاد التي ضيعت شعبا كاملا من أجل مصالح حاشية فاسدة.. وأتمنى أن نمر إلى مرحلة انتقالية حتى نحافظ على القليل من الديمقراطية الباقية لدينا. - ما هو جديدك الأدبي؟ أنهيت مؤخرا عملا روائيا بعنوان "الرايس" يحكي مسار حياة الرّايس حميدو، وأنا بصدد الاتفاق النهائي مع دار نشر عربية على أن يكون حاضرا في الدخول الأدبي القادم. أتوق لمعرفة أصداء الرّواية التي جعلتني أستنزف الكثير من طاقتي.