تجارة : السيد زيتوني يشارك في قمة الشراكة لسنة 2024 بنيودلهي    وزير التربية الوطنية يؤكد على ضرورة انتهاج أسلوب الحوار و العمل التشاركي للرفع من أداء القطاع    السيد عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الهندي    التجمع الوطني الديمقراطي يدعو كافة القوى الحية في البلاد الى التصدي بقوة للمحاولات التي تستهدف الجزائر    وزارة الثقافة تكشف عن رزنامة المهرجانات الثقافية والفنية لشهر ديسمبر    التضامن مع فلسطين مبدأ وطني للجزائر    إطلاق المرحلة الأولى من تطبيق النظام المتكامل لتسيير الميزانية    ملبنات خاصّة ستُنتج حليب البقر المدعّم    2025 سنة تعزيز الرقمنة بامتياز    الغرفة الوطنية للفلاحة تثمّن قرارات الرئيس    الحسني يدعو للاستلهام من دروس الثورة    تواصل اشغال الندوة الدولية للتضامن مع الشعب الصحراوي في البرتغال    طابع بريدي جزائري نُصرة لفلسطين    الجزائر تؤكّد التزامها بالدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير    الخضر يتقدّمون للمركز الرابع إفريقياً    بداية مُوفّقة لثلاثة أندية جزائرية    هل ينتقل آيت نوري إلى مانشستر يونايتد؟    صيانة الطرقات.. أولوية حكومية    درك سكيكدة يطيح بشبكة إجرامية    الرئيس يعيّن واليين جديدين    سؤال النهوض مجدّداً    الجزائريون يؤدّون صلاة الاستسقاء اليوم    تدشين دار الصنعة    هؤلاء الفائزون بنهر الكوثر..    هياكل صحّية عمومية جديدة بقسنطينة    إقامة صلاة الاستسقاء عبر كافة مساجد الوطن    لصوص الأحذية يتعدّون على حرمة المساجد    مجالس عزاء تتحوّل إلى شبه ولائم    محلات بيع الخبز التقليدي تنافس المخابز العصرية    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية    قانون الاستثمار يفتح آفاقًا جديدة لقطاع الصحة بالجزائر    قوجيل: التضامن مع فلسطين مبدأ الجزائر الثابت    تنصيب مدير جديد لديوان عميد جامع الجزائر    تأكيد على محاربة الجرائم وتعزيز الحريات    مرافقة ودعم لتحقيق البرامج المسطرة    قفزة نوعية في قطاع البريد والمواصلات    عودة لأدب المقاومة والصمود    أدب الخيال العلمي أكثر صدقا في وصف الواقع    توظيف فضاء الخشبة لترسيخ الهوية الثقافية    الجزائر تستضيف الاجتماع السنوي ال14 ل"اتحاد أمان"    المرأة الصحراوية شَجاعة لا متناهية    دعوات لوقف العدوان الصهيوني وتجسيد الدولة الفلسطينية    سيدات "الخضر" للتأكيد أمام أوغندا    برنامج لتلقيح التلاميذ    سارق خطير في قبضة الشرطة    توقيف مروّجَي مهلوسات    "الحمراوة" لتفادي التعثر بأيِّ ثمن    آدم وناس يتطلع للّعب مع مولودية الجزائر    رياضة/ الألعاب الإفريقية العسكرية-2024: المنتخب الوطني العسكري للرمي يحصد 32 ميدالية منها 11 ذهبية    فيفا/جوائز: الدولي الجزائري ياسين بن زية مرشح لنيل جائزة الفيفا لأجمل هدف ل2024    قسنطينة.. دخول عدة هياكل صحية عمومية جديدة ستعزز منظومة القطاع بالولاية    سبعينية الثورة التحريرية: المسرح الجهوي لتيزي وزو يعرض "سفينة كاليدونيا    قسنطينة: دخول عدة هياكل صحية عمومية جديدة ستعزز منظومة القطاع بالولاية    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العبادي بين ضغوط الاقتصاد وقيود السياسة
نشر في الفجر يوم 28 - 01 - 2016

لا شك في أن الوضع الذي يمر به العراق خطير للغاية من النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية، وأن حكومة السيد حيدر العبادي واقعة في مأزق خطير وخياراتها محدودة جداً وأحلاها مر. فمن ناحية، تخوض القوات العراقية، مع متطوعي ”الحشد الشعبي”، معارك ضارية مع مسلّحي ”تنظيم الدولة” على جبهات عدة، أهمها في مدينة الرمادي، كبرى مدن محافظة الأنبار. وعلى رغم أنها حققت نجاحات لا يستهان بها، إذ انسحب مسلّحو التنظيم من معظم مناطق الرمادي، فالضغوط العسكرية على التنظيم جعلته يلجأ إلى شنّ هجمات انتحارية في العاصمة بغداد راح ضحيتها عشرات المدنيين الأبرياء، ما أثر سلباً في الاستقرار الأمني النسبي الذي شهدته العاصمة منذ فترة.
أما في محافظة ديالى، فجرت أعمال قتل عشوائية في عدد من المدن، بينها المقدادية، دفعت نواب كتلة ”اتحاد القوى” السنية إلى الانسحاب من البرلمان والحكومة موقتاً، متّهمين فصائل من ”الحشد الشعبي” و ”الميليشيات” بارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين في المقدادية، والحكومة بعدم القدرة على حماية المدنيين. وفي كردستان، أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية إلى تهجير قوات البيشمركة الكردية السكانَ العرب من مناطق تسيطر عليها خارج الإقليم، ما أثار ضجة من الاحتجاجات في عموم العراق وتوجيه اتهام الى القوى السياسية السنية بالتعامل الازدواجي مع الأحداث: تحتجّ بقوة على ما تفعله الجماعات الشيعية المسلّحة، وتصمت عمّا تقوم به البيشمركة.
اقتصادياً، ما زال الغموض والقلق يسودان الموقف، خصوصاً مع استمرار تدنّي أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل، علماً أن السعر المعتمد في الميزانية العراقية للعام 2016 هو 45 دولاراً، ما يعني أن العجز المالي سيفوق التنبؤات التي وضعتها الحكومة بحوالى 30 في المئة. وحتى الآن، لم تعلن الحكومة خطة اقتصادية مُطَمْئنة للشعب بأن الوضع المالي للبلد تحت السيطرة والدولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها الأساسية في دفع الرواتب وتقديم الخدمات العامة. ومع بعض التطمين الذي أحدثه حصول العراق على قرض من البنك الدولي مقداره مليار ومئتا مليون دولار، فاحتياجات العراق تفوق هذا المبلغ أضعافاً مضاعفة، وهناك ضرورة لسد العجز في الميزانية الذي يهدد بعجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها حتى لموظفيها.
هناك أربعة ملايين موظف تقريباً يعملون في الدولة، يضاف إليهم حوالى ثلاثة ملايين متقاعد يتقاضون معاشاتهم من الدولة أيضاً، ما يعني أن نحو سبعة ملايين عراقي يعتمدون في مصدر عيشهم على الدولة مباشرة. وهناك ما يقارب السبعة ملايين تلميذ وطالب يدرسون ويتدربون في مدارس الدولة ومعاهدها وكلياتها وجامعاتها ومصانعها ومستشفياتها. أما القطاع الخاص، فهو الآخر يعتمد بالدرجة الأولى على العقود التي تمنحها الدولة له، فإن قلّت إيراداتها فالمتأثر الأول هو القطاع الخاص، ولهذا اضمحلّ النشاط الاقتصادي في هذا القطاع منذ أكثر من عامين ولم تُقرّ ميزانية 2014 نتيجة للخلافات السياسية، كما انخفضت الإيرادات في 2015 بسبب تدنّي أسعار النفط إلى الربع تقريباً.
الضغوط السياسية والدينية على الحكومة تمنعها من اتخاذ قرارات ضرورية لرفع الضرائب وزيادة أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين، كالكهرباء والماء، أو إلغاء أو تقليص البطاقة التموينية التي تقدم بموجبها الحكومة مساعدات عينية لمعظم العراقيين. وكانت حكومة المالكي قد حاولت في الأعوام السابقة، رفع أسعار الكهرباء واستبدال مواد البطاقة التموينية بمبالغ مالية، إلا أنها تراجعت عن القرارين بفعل ضغوط شعبية يقودها رجال دين.
ومع بقاء أسعار النفط متدنّية طوال هذا العام وربما العام المقبل أيضاً، لا خيار أمام الحكومة سوى إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية على وجه السرعة للتعويض عن العجز الهائل في الإيرادات. ومن هذه الخطوات، إصدار سندات الدين العام بعائدات مجزية كي تتمكن من تصريفها سواء في الداخل أو الخارج. إلا أنه لا يمكن التعويل على بيع سندات الدين العام لتمويل العجز في الميزانية، لأن نجاح ذلك يعتمد على ثقة المستثمرين بالاقتصاد العراقي وبقدرة الحكومة على إدارته، وهذا ليس مضموناً.
وحتى لو تمكنت الحكومة من جمع بعض الأموال من السندات، فذلك وحده لا يكفي. فهناك حاجة إلى إجراء ضروري وعاجل آخر، ألا وهو الشروع ببرنامج خصخصة واسع النطاق لبيع المصانع والمؤسسات الخدمية والعقارات التي تمتلكها الدولة للقطاع الخاص. ولهذا المشروع منافع اقتصادية، أولاها توفير المال اللازم لتسيير شؤون الدولة، وثانيتها تقليص تدخلها في الاقتصاد، ما يرفع كفاءته، وثالثتها رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وليس آخرها زيادة كفاءة المؤسسات وتشغيل العاطلين من العمل وتنشيط اقتصاد السوق واستقطاب الاستثمارات الخارجية وتقليص الاعتماد على النفط كحل استراتيجي للمشكلة الاقتصادية العراقية وزيادة المحاسبة الشعبية للحكومة التي ستعتمد أساساً على دخلها من الضرائب.
التردّد الذي تتّصف به خطوات الحكومة حالياً، وإن كان مفهوماً بسبب حساسية الوضع السياسي والأمني، يزيد الوضع سوءاً لأنه يزعزع الثقة بالدولة والاقتصاد ويشيع الغموض والقلق بين الناس. الإصلاحات الاقتصادية أصبحت ضرورة وليست خياراً، ومن غير المجدي تأجيلها لأن البديل هو ضعف الدولة وتفكّكها وزيادة مشاكلها.
ففي إمكان العراق النهوض من كبوته الحالية، لكن ذلك لن يحصل إلا باتخاذ إجراءات جريئة وصعبة ومكلفة سياسياُ. ومن حق السيد العبادي أن يفكر بمستقبله السياسي واحتمال تأثير أي إصلاح لا يحظى برضا الشعب في احتمالات إعادة انتخابه. إلا أن التأجيل لن يحل المشكلة بل يزيدها تفاقماً ويخلق مشاكل جديدة تهدّد أمن العراق واستقراره ومستقبله كدولة متماسكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.