”زيكا” اعتقدت للوهلة الأولى أنه اسم لاعب كرة قدم محترف، فللاسم موسيقى خاصة، لولا أن صفحات الأخبار التي بدأت تروج لخطره جاءت مرفوقة بصورة بعوضة بشعة. منظمة الصحة العالمية، خرجت مرة أخرى على سكان الأرض بتحذيرات من هذا الخطر الداهم، وعندما تصرخ منظمة الصحة العالمية، أرتاب لصراخها أكثر من الخوف من هذا الداء أوغيره من أنواع الحمى التي سبقته منذ أكثر من عشرية. ومنذ جنون البقر إلى أنفلونزا الخنازير مرورا بأنفلونزا الطيور إلى الإيبولا وغيرها من الأسلحة الفتاكة التي ترفع منظمة الصحة درجة خطورتها إلى الخانة الحمراء، قبل أن تهدئ من أمرها، بعد أن تكون مخابر إنتاج اللقاحات المضادة قد حققت أرباحا خيالية بتواطؤ الحكومات عبر البلدان التي ينخرها سرطان الفساد. وقد تم كشف اللعبة الدنيئة لأطباء هذه المنظمة المرتشين ومجموعة من المخابر المنتجة للقاح، وتبين أنها من تفتعل هذا البسيكوز لتروج للقاحات كاسدة، ويغتني أصحابها ويدفعون لأطباء المنظمة الذين خانوا الأمانة العلمية وقسم أبي قراط. ”زيكا” هذا الاسم الجميل، يقال إنه يؤدي إلى ضمور دماغ الأجنة عند إصابة الحوامل به، وهو بهذا يكون سلاحا بيولوجيا فتاكا، سينتشر في البلدان الفقيرة للتخلص من أعداد كبيرة من شعوبها، أو الحد من انفجارها الديمغرافي، الذي يستهلك ماء وهواء وثروات شعوب العالم المتطور التي وحدها تستحق الحياة على الأرض. ألم تقل الاحصائيات منتصف السنة الماضية أن سكان الأرض استهلكوا حقهم في ثروات وماء وهواء الأرض الكافي لسنة كاملة في بضعة أشهر وهم يعيشون ”بالدين” لباقي أشهر السنة؟ أليس من فكرة جهمية مثل زيكا وإيبولا وشتى أنواع الأنفلونزا للتقليل من البشر، بطريقة لن تكون بالبشاعة التي تنتهجها داعش في منطقتنا العربية، أو بوكو حرام، والقاعدة وغيرها من المجازر التي تقترف باسم الدين؟! قيل أنه يؤدي إلى ضمور الدماغ، أليس هذا ما يقوم به رجال الدين طوال عقود من الزمن، عندما سجنوا العقل العربي والإسلامي في الشعوذة والخرافات، وأخرجوهم من مسار التنوير الذي تنتهجه الإنسانية، أليس هذا الفيروس الأكثر فتكا من ”زيكا”؟! قرأت في الأخبار أن الجزائر بدأت تعد العدة لمواجهة هذا الخطر. مسكينة الجزائر، ألا يكفيها ما دفعت من ضريبة منذ سنوات لتحمينا من حمى الخنازير، ودفعت قرابة المليار دولار لخنازير المخابر الأوروبية، بعضها ذهب إلى الجيوب الخاصة لبعض أبناء من أشرفوا على الصفقة، قبل أن ترمى الحقن في القمامة أو لا أدري أين أتلفت، وهل تسلمتها الجزائر، أو ماذا كان مصيرها؟! الجزائر إن سقطت هذه المرة في خديعة المخابر ”ستتحزم على اللحم” على حد المثل الشعبي، في عز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ انهيار سعر النفط. وخطر زيكا على بلادنا ليس أكبر من خطر دواعش الداخل والخارج، الملتحين منهم ومرتدو ربطات العنق، كلهم يستهدفون أدمغة الجزائريين بالتسميم أو بالضمور. ف”زيكا” موضة وتمر مثلما مر ما سبقه من أكاذيب إعلامية حول المخاطر المزعومة، لكن خطر الأزمة الاقتصادية والأزمة الفكرية، وتهديد عقول الشباب بأمراض الإسلام السياسي، هذا حقيقة مرة لن تزول قبل قرون أخرى من الغرق في الظلام! ولن يغير التصويت اليوم على الدستور شيئا في الأمر، فهو لا يمتلك المضاد الحيوي لهذه الأمراض المزمنة! حدة حزام ***********
عندما تفتح جراح الثقافة
مع اقتراب المغرب، وبعد يوم شاق من التجول من جهة فندق الشيراتون، الذي لم يتمكن السائق من دخوله لارتياب الحراس أمام بابه الخارجي لأمر السيارة غير المألوفة، لكن هذا لم يمنع السائق من الوصول حتى حي موريتي الذي لا يقل حراسة عن محمية نادي الصنوبر وتجواله بين البيوت التي يعرف الرئيس بعض سكانها، فكثير من رجاله احتفظوا بمساكنهم الصيفية هنا، وهم يمتلكونها الآن في إطار التنازل عن أملاك الدولة زمن المرحوم الشاذلي. وهنا كان هو من يقوم بدور الدليل، لكن مكوثهما في موريتي كان قصيرا، لكن الرئيس وقف طويلا أمام فيلا تابعة لابنة أحد الجنرالات أحيل من فترة على التقاعد، وأمام فيلا أخرى لأحد رفقائه من مدينة مسقط رأسه، ثم عاد إلى السيارة طالبا من مرافقه العودة إلى عرين الأسد، إلى محمية الصنوبر، ليس لأن هواءها منعش وشمسها دافئة في هذا الجو الربيعي، مع أن الوقت شتاء من أيام جانفي الأولى، وكأن الربيع أتى مسرعا لاستقبال هذا الضيف غير العادي. عادت سيارة ”الدي أس” السوداء، من جديد للتجول بين بيوت المحمية مستغلين أوقات العمل ووجود سكانها في مكاتبهم في الوزارات والبرلمان والمديريات. وهم يمرون قرب الطريق الساحلي اعترضت طريقهما مجموعة من الأطفال في سن المراهقة، حاول السائق تجنبهم إلا أن أحدهم قرأ ماركة السيارة فصار يردد ورفاقه (”الدي أس”، ”دي أر أس”، ”دي أس”، ”دي أر أس”!). ما معنى ”دي أس”، ”دي أر أس” سأل الرئيس الذي كان يفهم كل شيء ويعرف كل شيء من أدنى إشارة أيام حكمه. ورد عليه السائق ضاحكا ”هؤلاء أطفال يمزحون، ربما سمعوا أولياءهم يتكلمون في البيوت عن مشكلة ”الدي أر أس” هذه الأيام، ووجدوا أن اسم السيارة يتطابق مع حروف مديرية المخابرات التي تم حلها هذه الأيام، وتم إبعاد مديرها الذي سبق وحدثتك عنه منذ أيام، هذا دليل على أن شغل سكان المحمية الشاغل هذه الأيام هي سيرة الرجل وعلاقته برئاسة الجمهورية، فقد كانت إقالته زلزالا حرك أركان المؤسسة العسكرية، بل كل مؤسسات الدولة، لقوة تداخل هذه الأخيرة مع كل المؤسسات الأخرى”. ”آه، فهمت الآن”، يرد الرئيس، أتتذكر يا ابني كم كنت أحب التلاعب بالألفاظ والمعاني، كنت أوجه الرسائل لرجالي من كلمة واحدة، وكانوا يفهمون جيدا ما أقول، تعلمت هذا من سكان مدينتي، كانوا لا يكثرون الكلام، ولا يتكلمون معنا ونحن أطفال إلا بالمعاني وبالأمثلة الشعبية، وكأنهم كانوا يدفعون ثمن الكلام، لكني لم كبرت وجدت أنني أتوفر على ثروة لغوية وتلاعب بالألفاظ، ساعدتني كثيرا أيام دراستي بالقاهرة، المصريون أقوياء في لعبة الكلام، والأمثلة، ولغتهم الشعبية غنية جدا، فثقافتهم الشعبية لم تكسرها الاستعمارات المتعاقبة مثلما حدث لنا نحن في شمال إفريقيا، حافظوا على التراكم الثقافي واللغوي، وعلى ذاكرتهم الشعبية، عكسنا نحن”. ”آه! ماذا أقول لك سيدي الرئيس؟ سآخذك في جولة إلى شوارع العاصمة والمقاهي التي يرتادها الشباب، لتسمع بأذنيك أين وصلت لغة التخاطب بينهم، لا! لا أتكلم عن إدخال المصطلحات الفرنسية، بل وكأن ذاكرتنا الجماعية محيت مثلما تمحى ذاكرة الكومبيوتر. لا تقلق لو أتى إليك أحدهم وناداك ”واش خو، أو واش شريكي، أو رد على سؤال يستوجب شرحا، بكلمة نورمال. فهذا لا يعني أنك شريك له في عمل أو ملك، كما أن الوضع الأكثر مأساوية يعبرون عنه بكلمة نورمال، بل هذه صارت لغة الطلبة في الجامعة أيضا، كلمات كثيرة وغريبة متداولة بينهم، خليط هجين لا أدري من أين أتوا بها، لكنها تعبر عن المستوى الثقافي لهذا المجتمع، وما وصله من انحطاط فكري، هذا إلى جانب مصطلحات التدين، وأقسم بالله التي لم يكن ينطق بها في وقتنا إلا الأئمة في المساجد...”. ”لكن، لكن ماذا فعلوا بالثورة الثقافية التي باشرناها وقتنا حتى تطلع أجيال ممسوخة مثلما تقول؟”. ”ما فائدة بناء كل هذه المدارس والثانويات والجامعات والمسارح ودور الشباب، إذا كانت النتيجة هذه التي تتكلم عنها، وحتى لا تصاب الأجيال بإعاقة في اللسان؟”، يسأل الرئيس. ”المشكلة هنا سيدي الرئيس، الإعاقة بدأت في فترتكم، بل في فترة الرئيس الذي وضعتموه على رأس البلاد، واختطفتم الحكم من أصحابه الشرعيين مع الاستقلال. المشكلة، مشكلة تحديد الأولويات، مشكلة هوية، وأنتم لم تحلوا مشكلة الهوية، بينما كان يلتفت بعضكم إلى الغرب، وأرسلوا أبناءهم إلى الدراسة هناك. التفت آخرون وعلى رأسهم سلفك نحو مصر، التي أغرم بها، وكان يقلد رئيسها حتى صار يتحدث مثله بلهجة مصرية، لم يكن يفهمها الجزائريون، وأكثر من ذلك حارب الأمازيغية واتخذ له من القبائل والشاوية أعداء، أراد أن يصبح مصريا مثل مثله الأعلى ناصر، لكنه لم يستطع. صحيح أنكم وضعتم حدا لتهوره بالانقلاب أو بالتصحيح الثوري مثلما تسميه، لكنكم واصلتم الاعتماد على المشارقة لتعليم الأجيال، والمصيبة المسلسل اليومي الذي سحر النساء لسنوات، بحجة الحضور العربي الوحيد عبر شاشة تلفزيون، وقتها لم تكن كل هذه الفضائيات التي تمطرنا عبر الأقمار الصناعية. ماذا تعلمت الجزائرية من خلالها، غير أن تحلم بالزواج بالمهندس والدكتور، نعم مشكلة إعاقة لسان الشباب جاءت من إعاقة أمهاتهم، اللواتي سحرن بهذه اللهجة الغريبة. نعم، أنتم أسأتم تحديد الأولويات، والثقافة ليست جدرانا تبنى”! يرد السائق، مواصلا الطريق بين بيوت المحمية. - يتبع -