لا يسيل دم في تونس، إلا ونحس بالوجع في الجزائر، والخوف على هذا البلد الذي يصارع غول الإرهاب الذي يبدو أنه أخطر من ذلك الذي عرفته بلادنا عشريتين من الزمن. وقد أثبتت عملية بن قردان أول أمس، أن الخطر على تونس يتعاظم يوما بعد يوم، وكلما اشتدت الأزمة في ليبيا، أو ضيق على الإرهابيين في سوريا، تكون تونس هي القبلة المقبلة، ومن يدري ربما تكون هذه العملية عقوبة على انسحابها من قائمة الموقعين على لائحة اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا، حيث كانت تونس من الموقعين، قبل أن تتراجع وتدين التصنيف، ربما أسوة بالجزائر. ولأن كلا من الجزائر ومصر أغلقتا حدودهما مع ليبيا بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة هناك وغياب سلطة رسمية، إلى جانب تعدد المليشيات المدججة بالسلاح، بقيت تونس المنفذ الوحيد أمام الليبيين، المتدفقين بمئات الآلاف من اللاجئين إلى تونس هربا من الجماعات الإرهابية، وهذا ما جعل تونس عرضة أكثر من بقية بلدان الجوار إلى الخطر. وقد كانت أمريكا أكدت بعد عملية صبراتة منذ أسبوعين، أن هذه العملية التي قضى خلالها إرهابيون تونسيون، أوقفت هجوما إرهابيا كان سيستهدف تونس، فقد تكون العملية هذه ضمن مخطط إرهابي يستهدف تونس، مثلما هدد بذلك منذ سنة إرهابي تونسي في تسجيل فيديو، قبيل أن يفجر نفسه في فندق بطرابلس. لكن تبقى السلطات التونسية هي المسؤول الأول عن التدهور الأمني، بسبب موقفها المتذبذب مما يحدث في ليبيا، وبسبب استقبالها بصورة رسمية لشخصيات ليبية محسوبة على الإرهاب ولقيادات إرهابية معروفة مثل عبد الحكيم بلحاج وعميد طرابلس مهدي الحراتي، الذين يأتون إلى عيادات قمارت بحجة العلاج، ومن يدري ربما لربط علاقات مع الجماعات المتشددة داخل تونس، خاصة وأن مهدي الحراتي معروف عنه أنه مؤسس كتيبة اللواء الإرهابية في سوريا، وكان من يشرف على تجنيد الشباب في مجموعات إرهابية ويرسلها إلى ليبيا وإلى سوريا للقتال هناك. على السلطات التونسية أن تأخذ موقفا واضحا من الإرهاب، فلا يمكن أن تدينه وتحاربه في بن قردان، وتترك لأتباع الغنوشي المجال مفتوحا للتواصل مع المتشددين من ليبيا ومن قطر والسعودية وغيرها. فالحرب على الإرهاب ليست فقط بالسلاح وبتقديم الشهداء، بل يجب أن تسد أمام هؤلاء، وأمام الإسلام السياسي تحديدا، كل المنافذ، وليفهم الجميع أن مشروع الغنوشي لا يختلف عن مشروع محمد مرسي في مصر، ولا عن مشروع داعش في سوريا والعراق، والحرب عليه سياسية أوّلا وفكرية قبل أن تكون أمنية، ولنستخلص من تجربة الجزائر في هذا المجال، ولا شك أن الجيش الجزائري لن يبخل على نظيره التونسي بالخبرات والمعلومات وبخلاصة تجاربه.