ابني ”ميدو” 11 سنة، ظريف وخفيف الظلّ، ذو نزعةٍ قيادية وشجاعة كبيرة، ومَثَلُه الأعلى هو اللاعب البرازيليّ الشاب نيمار، فراح من مدّة معتبرة، قياسا لسنّه الصغير، إلى تقليده في تحليقة الرأس. غير أنَّ معلّمته في المدرسة، اعتقدت أنَّ هذه الطريقة ”المبتدعة” في قصّ شعر الرأس، لا تليق بتلميذ في السنة الأولى متوسّط، وطلبتْ منه عدّةَ مرّات، أن يغيّرها لأحسن. ولما يئسَ الطفلُ من تفادي هذا المصير، وإصرار المعلّمة عليه؛ قام بحلق شعره تماما، دونما أن يستشيرَ أحدا في الموضوع. فسألته عن السبب؟. قال لي إنّه يعاقبَ المعلّمة، فكلما نظرتْ إلى ”صلعايتي” تذكّرتْ أنّها هي السبب، ( عندها مشكلة توّ هاذي معَ شَعْري؟ هاني درْتْ بولازيرو.. وقُلها توّ ما يعجبهاشي الحال؟). وأنا أتصوّر أنَّ موقفَ إبني ”ميدو”/ أحمد الشريف، بريء وتلقائيّ، فإنّني استحسنته، واعتبرت أن يكون ”نيمار” مثلَه الأعلى، كرمز للنجاح والروح الرياضية والمغامرة، أحسنُ بكثير منْ أن يكون ”العريفي” و”عمرو خالد” و”أمير داعش”. فلن يتعلّم من هؤلاء غير الحقد وتدمير الأخر والانغلاق على الذات، فيما سيُلهمه ”نيمار” قيمَ الإرادة والجهد والحلم بالنجاح والتفوّق؛ وهكذا قيمٌ، هي ما تحتاجُ إليها اليوم بناتُ الجزائر وأبناؤها. لقد كانَ على معلّمة ابني، أن تكون بمستوى هذا الجيل، وبخصوصياته وانفتاحه الرهيب على الحياة والعالم، بفعل انخراطه في وسائط الاتصال الحديثة، وأنَّ التعاملَ معه بغير هذا المنطق، يؤدّي حتما إلى القطيعة بين التلميذ ومدرّسه، ومنَ المستحيل حينها، أن يقتنعَ التلميذ بأنَّ مدرّسا منْ هذا القبيل، يمكنُ أن يحملَ أو أن ينقلَ مضمونا بيداغوجيا. للتهوين منَ الأمرِ، قلتُ له: على كلّ حال، هذه التحليقةُ لائقةٌ عليك تماما، ومنَ الجيّد أنّها وافقت مناخا مناسبا جدا من حيث ارتفاع درجة الحرارة، وأضفت: هل تعلم يا ”ميدو” أنّي قبل حوالي أربعين سنةً، كنتُ أدرس في مثل مستواك ”السنة أولى متوسّط” بإكمالية بن شرشالي بمدينة البليدة، وأنّ معلّمي مادة اللغة الفرنسية، كان السيّد ”مينار”، المدرّس الفرنسيّ الكفء، وكان أكبر ما يُراقبه ويحرص عليه، أن تكون مآزرنا نظيفةً، وفروضنا المنزلية منجزةً، ولم يكن يتسامحُ أبدا مع المخلّين بهذه الشروط، غير أنَّ عقوبته جراء ذلك، كانت قاسيةً جدا. كان يتجاهل التلميذ المتقاعسَ ليومين أو ثلاثة أيام، حتى يكاد ينهار من قسوة اللامبالاة؛ فيستدرجه من جديد إلى الالتزام بالشروط، ومنْ ثمَّ إلى المقدرةِ على الاستيعاب.