يبدو أن تناول وجبة السحور جماعيا بين الأصدقاء في أجواء حميمية مفعمة بالبهجة وروح التسلية، هي إحدى علامات السهرات الرمضانية بامتياز عبر ربوع بسكرة منذ حلول الشهر الفضيل، وفق ما تعكسه العادات الراسخة في يوميات أهالي المنطقة. فهذه العادة الاجتماعية التي تتجلى هذه الأيام في حياة الزيبانيين، وأصبحت بمثابة حلقة لصيقة ضمن جلسات السمر في رمضان تستقطب على نطاق واسع شريحة الشباب من قاطني التجمعات العمرانية الحضرية وعالم الريف على السواء. وتعتبر "وليمة السحور" ظاهرة لافتة للانتباه حقيقة في أوساط الفئة الشبانية، وهي فوق ذلك تصنع الحدث في نطاق الحركية الاجتماعية المتزامنة وليالي رمضان ولا تكاد تخلو منها بقعة بالزيبان، مثلما أبرزه الناشط في المجتمع المدني عبد المجيد بسام، وهو أيضا أحد المهتمين بالتراث المحلي. طبق "الحسوة" يتربع على عرش السحور الجماعي كما هو متعارف عليه بين الأصدقاء، فإن إسناد إعداد وجبة السحور الجماعي يكون في العادة بالتناوب بين أفراد الشبكة الذين يتراوح تعدادهم بين عشرة وخمسة عشر، إضافة إلى أن تعيين أحد منهم لاستضافتهم خاضع إلى شبه رزنامة مسبقة، حيث يتسنى من خلالها لكل عضو معرفة دوره قبل يوم أو يومين بما يتيح متسعا من الوقت أمام ربة البيت لتحضير الوجبة. ومقابل ذلك لا تخضع وجبة السحور الجماعي لطلبات محددة سلفا في ما يخص طبيعة ونوعية الطبق، لكن ربات البيوت بما يشبه حالة الإجماع غير المتعمد يحرصن على تجهيز أكلات تقليدية مستوحاة من المطبخ الزيباني الأصيل الذي تتربع على عرشه الحسوة بالنسبة لهذه المناسبات. فهذه الأكلة الشعبية ذائعة الصيت في أرجاء الزيبان يتم تحضيرها انطلاقا من كسرة السميد المقطعة إلى أجزاء صغيرة ووضعها في صحن، ثم تصب فوقها كمية من المرق الذي يشترط في تحضيره اللفت والبقدونس والفول المجفف، بينما تكون إضافة الفلفل الحار، حسب الذوق مثلما توضحه أم وليد التي يوجد ابنها البكر ضمن إحدى شبكات وليمة السحور الجماعي بناحية طولقة التي بها مسكنه العائلي. النكت والمقالب.. توابل وجبة السحور الجماعي بين الأصدقاء قال الشاب عصام، أحد المنخرطين في ولائم السحور الجماعي بين الأصدقاء، إنها لحظة نادرة من المتعة لا تقدر بأي ثمن وشيء رائع، غير أنهم محرومون منه كثيرون في العالم ولا يدرك لذته سوى من عايش تفاصيله حين يتقاسم المرء مع أصدقائه وجبة السحور في جو من المرح الذي تنشرح فيه النفوس وتتلاشى معه كل هموم الحياة اليومية. وبرأي ذات المتحدث، فإن حضوره لمشاركته الآخرين تناول وجبة غذائية في سهرة رمضانية ليست مجرد غاية في حد ذاتها، بل هي - على حد قوله - جاذبية الجلسة التي سحرته بما يطبعها من جمع شمل الأصدقاء واسترجاع شريط الذكريات وتبادل أطراف الحديث في شتى الموضوعات وإطلاق النكت والمقالب دون انزعاج أي فرد. كما أكد صديقه وليد أن "القعدة" في ليلة رمضانية بصرف النظر عن تتويجها بوجبة السحور فهي مساحة زمنية تتيح أمام كل عضو الترويح عن نفسه وعن زملائه، لافتا أن حرصه جد شديد على تلبية دعوة أصدقائه ولا يتوانى في التقاط صور حية لكل جلسة وبثها على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتقاسم حلاوة الذكريات بصفة أوسع مع أناس آخرين. فتناول وجبة السحور جماعيا بمعية الأصدقاء التي ارتقت إلى درجة عملة متداولة لدى كثير من الزيبانيين، هي سلوك مرحب به لدى العائلات الزيبانية حسبما ذكرته أم وليد، التي قالت كذلك "إن كل أسرة ترتقب بفارغ الصبر والفخر دورها لاستقبال وخدمة أصدقاء أبنائها بما يترجم قيم التواصل والانسجام والتماسك الاجتماعي وكرم الضيافة الراسخة في المجتمع الجزائري".