هل يثق بوتين في ضيفه الذي زاره أمس، أردوغان، أسابيعا قليلة بعد ما اصطلح عليه "محاولة الانقلاب الفاشلة" والتي بينت الأحداث فيما بعد أنه هو الذي انقلب على كل شيء، الجيش وعلى العلمانية التركية وعلى الديمقراطية نفسها التي استعملها الرجل مثل كل الإسلاميين قبله للوصول إلى السلطة قبل أن يؤسس إلى الدولة الإسلامية الباقية وتتمدد!؟ بوتين ليس غبيا، وهو يعرف أن الرجل حلقة أساسية في حل الأزمة السورية، فهو الداعم الأول لداعش وعبر حدوده يمر الإرهابيون والسلاح والدعم اللوجيستيكي لمخربي سوريا، مثلما يمر نفط داعش الذي يشرف نجل أردوغان شخصيا على بيعه في الأسواق العالمية، ومن هنا تكون زيارة "الصديق" اللدود إلى روسيا مهمة لكليهما، فالأول قلت لاستغلالها في وقف النزيف السوري وإفشال المشروع الغربي في الشرق الأوسط، والثاني طبعا يستغلها لإغاضة حلفائه في الغرب حتى يجبرهم على الصمت حيال ما يقوم به من انقلاب داخلي في تركيا على الحريات وعلى العلمانية وعلى كل مظاهر الحضارة التي جعلت تركيا تتميز على البلدان الإسلامية الأخرى، وإرث الكبير أتاترك الذي فهم قبل غيره أن الطريق إلى الرقي والعصرنة لن يمر إلا عبر فصل الدين عن الدولة وتحرير العقل والإنسان التركي، تحريره من الإرث العثماني الثقيل والتوجه نحو العالم المعاصر أوروبا. أردوغان يريد إغاضة حليفته أمريكا حتى تسكت عن انقلابه المقبل على الدستور وما يقوم به من بطش لخصومه العلمانيين وفي مؤسسة "خدمة"، وأيضا لإجبار أمريكا على تسليم عدوه اللدود الإصلاحي التنويري فتح الله غولن، الرجل الذي أوصلت مؤسسته "خدمة" أردوغان إلى الحكم، قبل أن يتحول إلى أول خصم له فكريا وسياسيا في تركيا بعد الجيش، هذا الجيش الذي صفى صفوفه من العلمانيين ومن كل من وقف ضد أطماع نجله الذي حاول رهن مصير بلاده بين أيدي شركائه في الغرب، ومن بينهم الجنرال المتهم بقيادة الانقلاب المزعوم. قلت، هل يثق بوتين في "توبة" أردوغان هذه؟ طبعا لن يثق كلاهما في الآخر، وأردوغان مهما تظاهر بانتقاداته للغرب ولأوربا تحديدا التي ما زالت تحاول في كل مرة إيجاد الذرائع لرفضها انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، لا يمكن أن يتخلى عن من صنعوه ودعموه وسيبقى الخادم المطيع لأمريكا والحلف الأطلسي، وسيبقى الذراع المسلح لهما لضرب الشرق الأوسط، كلما تطلبت الحاجة. وما ترميمه للعلاقة مع إسرائيل مؤخرا إلا دليلا على أن أردوغان الإخواني التنظيم، الذي صنعته المخابرات البريطانية بداية القرن الماضي واحتوته المخابرات الأمريكية بعدها، لن يجرؤ على الانقلاب على أسياده 180 درجة، فهو إن فعل سيكون قد دق مسمارا في نعشه، والانقلاب المقبل سيكون ناجحا وحقيقيا. والأكيد أن بوتين بدهائه يعرف جيدا هذ، لكنه يستغل هذه الورقة في المرحلة الراهنة، وما كان الجيشان السوري والروسي ينجحان في دك معاقل داعش في حلب دون مساعدة من أردوغان قدمها كعربون قبيل الزيارة؟!