أن يحكم القوي من منطق القوة وأن يرى الضعيف ذلك ظلما وتعسفا.. لو كنا نحن المسلمون في موقع القوة لفرضنا منطقنا وبالتأكيد يراه الآخر تجاوزا وإفراطا في استغلال القوة والنفوذ.. فكل ما يجري طبيعي.. عليك إذن أن تكون قويا فتتغير المواقع فقط ولا يتغير المعنى الإنساني للقوة، فلا يوجد ملائكة بين البشر. لنستحضر واقعة حدثت في مؤتمر يالطا الذي كرس نهاية النازية والفاشية واستسلام المنهزمين التام في الحرب العالمية الثانية، فيكون بين أيدينا نموذج لمنطق سير الأمور ومكانة الامم في العالم. كان الصراع على أشده بين طرفين يتقاسمان النصر حتى لا أقول حليفين هما الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي. في الاجتماع طرح روزفلت رئيس الولاياتالمتحدة وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا فكرة مشاركة بابا الفاتكان في الاجتماع حتى تحظى نتائجه بمباركة مسيحيي العالم.. لم تعجب الفكرة ستالين زعيم الاتحاد السوفييتي وقتها فرد ساخرا "ذكّروني كم قدم هذا البابا من فرقة مدرعة للمشاركة في المجهود الحربي حتى يشارك في الاجتماع"، سكت صاحبا الفكرة ولم يزيدا كلمة. حين تكون قويا لا يهم من أنت.. فأنت تحكم وتأمر. هذا هو المنطق ولا يوجد غيره. ولو عدنا مثلا إلى احتلال الجزائر من فرنسا عام 1830 والطريقة التي ندرس بها تاريخنا لوجدنا أننا نمجد البلادة والغباء والبهتان.. نعم طريقة دراسة وتدريس تاريخ الاحتلال بليدة تكرس الهزيمة وتبررها. ولا تستند إلى منطق. فعدد الجنود الفرنسيين الذين احتلوا الجزائر قليل جدا لا يتجاوز 30 ألف ضابط وجندي يوجدون في موقع ضعف، وهو البحر.. لو تجند سكان مدينة الجزائر وضواحيها واستعملوا الحجارة لانتصروا وأغرقوا المراكب الفرنسية لكنهم لم يفعلوا لأن نظام الدايات الحاكم كان ظالما وغارقا في التخلف حتى أنه لم يجد من يدافع عن عاصمته. بل وتحمل كتب التاريخ التي يدرسها طلاب المدارس أن سبب الاحتلال هو كبرياء الداي العظيم الذي لطم القنصل الفرنسي بالمروحة. ويدرسون أيضا أن الجزائر كانت أقوى من فرنسا برا وبحرا علما ومالا وعقيدة وأنها كانت تمون فرنسا بالقمح بتسهيلات مالية كبيرة.. ويطلب من الطلاب أن يتجرعوا كذبة كبرى مفادها أن الضعيف يمكن أن يسيطر على القوي ويحتل بلده.. أليس هذا كذبا وبهتانا؟ لو كانت الجزائر هي الأقوى لاحتلت فرنسا وغيرها. فحين كان المسلمون أقوياء صالوا وجالوا في بلاد غيرهم وأخضعوها بقوة السيف إلى إرادتهم. تماما مثلما فعلت فرنساوبريطانيا حين صارتا القوتين الأعظم في العالم في القرنين الأخيرين. ومثلما تفعل أمريكا وإن بطريقة أكثر "تحضرا" في العقود الأخيرة.