تقاوم العديد من الألعاب الشعبية كل أنواع الزحف الإلكتروني الذي تمارسه اللوحات الإلكترونية وشاشات الهواتف النقالة. فالواضح أن الغميضة، والزربوط، العشيوة.. وغيرها من الألعاب لاتزال تتربع على عرش الهوايات في الأحياء الشعبية خاصة، حيث لا يجد الأطفال هناك بديلا عن هذه الموروثات الشعبية التي يمضون بها أغلب أوقاتهم. لاتزال الكثير من الألعاب الشعبية تستحوذ على عقول الأطفال رغم كل المغريات الأخرى من ألعاب فيديو ووسائل التكنولوجيا الحديثة التي باتت تشد انتباه الكبار قبل الصغار. وفي الوقت الذي يزيد التشجيع على الإدمان الإلكتروني، تتمكن شريحة مهمة من الأطفال من تطليق التكنولوجيا بكافة أشكالها خلال تواجدهم في الشارع، حيث يفضل هؤلاء العودة إلى الزمن الجميل بممارسة ألعاب شعبية توارثوها عبر أجيال، لتكون سبيلهم الوحيد في قضاء أوقات ممتعة مع رفاقهم، حيث لا تجد التكنولوجيا مكانا بين هؤلاء الصغار الباحثين عن عيش تجارب حياة واقعية بعيدة عن العالم الافتراضي الذي شتت أفكارهم وأبعدهم عن معالم الواقع المعاش. ”الغميضة” سيدة ألعاب كل زمان ومكان لا يمكن أن نتصور وجود طفل لم يلعب الغميضة.. هذه اللعبة المثيرة على قدر بساطتها، والتي تتيح للأطفال الجري والاختباء في أكثر الأماكن سرية حتى لا يتم العثور عليهم من طرف أصدقائهم، حتى صنفت هذه اللعبة على رأس قائمة الألعاب الأكثر شعبية حول العالم، وهو الحال كذلك في الجزائر، حيث لا يكاد يخلو حي من الأحياء من صوت صراخ أحدهم وهو فرح بتمكنه من إيجاد مكان اختباء صاحبه، ليلقي بالدور عليه.. وهو حال الطفل عبد الحق الذي وجدناه رفقة أصدقائه يحاول إيجاد أحدهم وهو يتجول في كل أنحاء الحي، وحين سألناه عن أكثر الألعاب التي يشارك بها أصدقاءه ذكر لنا العديد منها على غرار الزربوط، تشيلة، ولعبة الكريات، غير أنه أكد رفقة البقية أن الغميضة هي الأكثر تسلية بين جميع تلك السالفة الذكر. ومن جهتها تقول مريم، التي وجدناها منهمكة في تحضير عشاء ببعض الأعشاب والتراب وأطباق من أغطية قوارير المشروبات الغازية، أن الغميضة هي من أكثر الألعاب التي تفضل مع صديقاتها الاشتراك فيها. وبالرغم من كون ”العشيوة” أو”البيتة” هي من أكثر الألعاب أنوثة في الجزائر، إلا أن الاشتراك في لعبة الغميضة هو أكثر ما يشد الأطفال من كلا الجنسين. منافسة شرسة تخوضها ضد الألعاب الإلكترونية مع اختلاف الفصول وتغير الطقس، يغير الأطفال ألعابهم، التي تبقى دائما مصنفة في خانة الموروث الشعبي. فحين يأتي فصل الشتاء لا بديل عن لعبة ”الرشايڤة” التي تشترط وجود طين مكون من اختلاط التراب ومياه الأمطار، وبعد رسم مربعات على سطح الأرض، يأتي دور إلقاء السكاكين بقوة للمس المربع تلو الآخر. ليختار أطفال آخرون في فصل الربيع اللعب بالكريات والزربوط، وغيرها من الألعاب البسيطة التي لا تتطلب سوى بعض الوسائل البسيطة، إلا أن منافسة الألعاب الإلكترونية جد شرسة، حيث تعمل في كل مرة الشركات المنتجة لألعاب الفيديو على شد انتباه الطفل بكل الطرق.. وهو ما أكدته الأستاذة رشيدة بشيش المختصة في علم الاجتماع، والتي ترى في هذه الألعاب الشعبية مهربا من العالم الافتراضي، الذي يسرق الطفل من عالمه الحقيقي ويجعله حبيس الخيال، ما يحرمه من عيش أهم فترات حياته بكل ارتياح. وتضيف محدثتنا أن على الأولياء تشجيع الأطفال على هجرة الشاشات الإلكترونية للعب في الشارع. فرغم كل المخاطر التي يمكن أن يواجهها الطفل في الخارج، إلا أنه سيتمكن من إدراك معالم حياة واقعية تساعده على بناء شخصيته وهويته بطريقة صحيحة.