لا حديث هذه الأيام إلا عن شراء مواقع على القوائم الانتخابية مؤهلة للجلوس على مقعد برلماني خمس سنوات، يتقاضى خلالها النائب ملياري سنتيم خلال عهدة انتخابية قابلة للتمديد، ويجني بها أيضا فوائد لا تحصى، أهمها معاش مساو للراتب وثانيها القرب من مصادر توزيع الريع وتعبيد الطريق إلى القروض الميسرة بلا سقف، وحصص من الوظائف في مجالات مختلفة توزع على الأقارب والأحباب ومن يدفعون أيضا، من بلغ عهدة برلمانية ضمن حياة أحفاده وليس أبنائه فقط. لذا المقعد يستحق كل تلك الأموال التي تنفق عليه. وتمر الجماعات السياسية المتنافسة على المقاعد بأهم دوري يعود كل خمس سنوات، ومن أجل تلك المقاعد خرج محنطون سياسيا من قبورهم وسينشطون مهرجانات يقدمون فيها وعودا سخية. تلك المجموعات في الواقع كلها أقليات إن كانت من المعارضة أم من الموالاة، ترتب سوية من مدة لانتخابات تلد برلمانا يشرع قوانين تطبق على عموم الناس بأقليتهم وغالبيتهم. ستقام الأفراح في مقار أكبر الأقليات بإعلان فوزها بمقاعد ربما أكثر مما كان، كما حدث في كل دورة خمسية. الديمقراطية الجزائرية استثناء وإبداع لا يشبهه أي وضع ديمقراطي في العالم المعاصر. هي وحدها التي تتيح لأقلية قليلة الحصول على أغلبية غالبة من المقاعد دون الحاجة إلى أغلبية الأصوات، بل بدون الحاجة إلى ثلث عدد المصوتين أو حتى ربع العدد. في البرلمان المنتهية عهدته ”أغلبية” نالت 1.3 مليون صوت من مجموع يقارب ستة ملايين أدلوا بأصواتهم، أي أقل من ربع المصوتين. ومن أزيد من 20 مليون مسجل على اللوائح الانتخابية. وقبل عشر سنوات أفرزت الانتخابات نفس عدد الأصوات تقريبا لمجموعة سياسية فازت بأغلب المقاعد. وفي العام 1997 سجلت نهاية الاقتراع أغلبية باسم مجموعة أخرى لكن بأقل من ربع الأصوات أيضا. وحتى في العام 1991 أعطى الاقتراع أقلية بثوب الأغلبية المطلقة حين فازت جبهة الإنقاذ بمجموع 188 مقعد مقابل 41 بالمائة من أصوات الناخبين. أن تفوز بالانتخابات أو أن تجمع ثروة أو أن تصبح مسؤولا كبيرا لا يحتاج الأمر في الجزائر إلى العمل والاجتهاد وتحصيل العلوم وكسب ثقة الناس والتاريخ النظيف والأخلاق، تحتاج إلى المثابرة على أمور أخرى ترفعك إلى مصف نائب أو وزير أو رجل أعمال أو حتى مدير في الجمارك. لكل هذا تتسابق الأقليات فيما الأغلبية لا تزور مكاتب الاقتراع.