قال سمير قسمي أنه لم يدع ولا مرة في الجزائر لمناقشة روايته ”كتاب الماشاء” الفائزة بجائزة آسيا جبار للرواية الجزائرية، في حين لقيت احتفاء كبيرا خارج الجزائر، منتقدا أعمال أحلام مستغانمي معتبرا أن الروائية هاجر قويدري تكتب أحسن منها، مضيفا أن مستغانمي وواسيني يكتبوا الرواية اللغوية أو الأدب المراهقاتي المطلوب في دول الخليج. ويعتبر قسيمي في لقاء بمكتبة شايب دزاير لمناقشة أعماله منها ”كتاب الماشاء” و”حب في خريف مائل” المترجمة للفرنسية، أن روايته ”كتاب الماشاء” هي رواية فلسفية تطرح مجموعة من التساؤلات التي تبقى مفتوحة دون إجابات، وهذه هي المتعة عند قسيمي، فحسبه أن الكاتب يجب أن يكتب بمتعة ويطرح السؤال تلو الآخر، وفكرة ”كتاب الماشاء” هي طريقة الوصول إلى الله، كما أن الرواية كتبت بأسلوب حداثي وفيها إسقاطات على الوقت الراهن. ويرى قسيمي أنه لا يوجد كاتب صغير أو كبير، بل هناك كاتب وفقط، معتبرا بأنه غير راض عن كتاباته وإلا لتوقف عن الكتابة. وتوقف قسيمي في حديثه عن الأدب الجزائري عند روايات واسيني الأعرج قائلا: ”عندي مشكل مع أعمال واسيني الأعرج بعد ”طوق الياسمين”، حيث كاد أن يشكل علامة فارقة في الأدب الجزائري ولكن توجهه مشرقي أثر على كتاباته كثيرا، حيث أصبح توجهه الأدب المراهقاتي وهو الأدب المقبول في منطقة الخليج الذي يصور لنا كل ما هو جميل، فاخترعوا لنا ما يسمى بالرواية اللغوية، فترجمة روايات أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج تفشل لأن أساسها اللغة، عكس رشيد بوجدرة الذي نجح لأنه يكتب بمتعة ويقدم نصا سرديا جيدا”، مضيفا أن ”الروائية هاجر قويدري تكتب أحسن بكثير من أحلام مستغانمي”. وأثنى قسيمي على الروائي أمين الزاوي الذي سماه ”جنتلمان الرواية الجزائرية” والذي يتقبل رأي الآخر، ويضيف أن الزاوي هو الوحيد الذي يقرأ كل شيء وليست فيه طبيعة الحسد. للإشارة ”كتاب الماشاء” سابع أعمال الروائي سمير قسيمي، ومثلما يشير إليه العنوان الفرعي للرواية، يستعيد سمير قسيمي روايته ”هلابيل” الصادرة قبل خمس سنوات، ليصدر ما قد يعتبر الجزء الثاني منها، وهي الرواية التي لقيت ترحيبا من قبل النقد العربي والجزائري على حد سواء، نظرا لجدتها وللمستوى اللغوي والتخيلي التي اعتمدته الرواية. في ”كتاب الماشاء”، يحبك قسيمي قصة بأسلوب بوليسي، سمح للمعجبين بهلابيل بفهم ما تعسر فهمه في الجزء الأولى. يرحل بنا الكاتب إلى فرنسا، أين تقرر مديرية أرشيف ما وراء البحار عام 2004 جمع ورقمة الأرشيف الفرنسي، ومنه أرشيف مستعمراتها، فيكلف موظف باسم جوليان هاد بمهمة رقمنة المجلة الإفريقية، وهي المجلة التي عنيت بنشر بحوث المستشرقين الفرنسيين وبعض الباحثين المغاربة حول ما يتعلق بمستعمراتها الفرنسية في شمال إفريقيا، لاسيما الجزائر. وهي المهمة التي نتج عنها أحد عشر مجلدا، نشر عشرة مجلدات منها، أما المجلد غير المنشور فهو مجلد فهارس، وصل بطريقة ما إلى باحثة فرنسية تدعى ميشال دوبري مهتمة بالمستشرقين الفرنسيين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. تعثر ميشال في مجلد الفهارس على موضوع مثير للانتباه موسوم ب”الرحلة العجيبة لسيباستيان دي لاكروا، من لوروكان إلى ظلال المرابو”. هنا تبدأ القصة الفعلية، حيث تكتشف هذه الباحثة أن هذا الموضوع بالذات تم حذفه لأسباب لم تجدها منطقية من النشر. هكذا تبدأ ميشال دوبري في البحث عن هذا المستشرق المدعو ”سيباستيان” ومن خلال بحثها تتعثر بنوى شيرازي التي بحسب رواية هلابيل انتقلت للإقامة في فرنسا، وبفضل هذا الحدث الذي أحسن الكاتب تبريره، يدرج قسيمي وبطريقة ماكرة كل أحداث روايته السابقة هلابيل في عمله الجديد، رغبة في أن يستقل إصداره الجديد عن سابقه، وهي الرغبة التي يبدو أنها تحققت، لاسيما وأن قارئ العمل لا يشعر بحاجته لقراءة الجزء الأول. تدور الرواية حول قصة بحث غير منتهية عن سيباستيان دي لاكروا الذي قدر له أن يكون حافظا لقصة غير رسمية للبشرية، ليس تلك التي تتداولها الكتب المقدسة أو ما سماها أحد شخوص الرواية ”جيل مانسيرون” القصة الرسمية، بل قصة مختلفة تماما من شأنها لو ظهرت أن تعيد قراءة التاريخ بالمجمل. ومن خلال هذه القصة يعرج الكاتب على فترات متباعدة من تاريخ الجزائر، مستغلا فراغاته ليبرر روايته. تقول نوى مخاطبة ميشال دوبري ”لقد كان إيمانويل عالم لاهوت، لا لأنه صاحب موهبة بل لأن جده سيباستيان حضّره ليكون كذلك. وسأشرح لك الأمر لو شئت، ولكن قبل ذلك عليّ أن أنبهك إلى أن المسألة تتعدى مجرد قصة مألوفة لمستشرق ضاع بين طيات التاريخ كما اعتقدت، أو مقال سقط سهوا من كتاب. فقد تنتهي هذه المسألة بهلاكك أو على الأقل بدخولك دائرة من الريبة في كل أمر اعتقدته يقينا”.ص 53 تلعب رواية كتاب الماشاء على فكرة أن الحقيقة غير مطلقة وأن المسلم به مجرد وهم، كما أنها تدعو إلى عدم اعتماد اليقين في مسائل الحياة بما في ذلك الدين. إنها رواية فلسفية تلعب على حبلي التاريخ والدين، لتبرير الحديث عن الهامش الذي ومن خلال كل أعمال الروائي سمير قسيمي يعد التيمة الرئيسية فيها.