لم يكمل الصحفي الكبير عبد الكريم جيلالي مشاريع كتب كان يريد وضعها بين ايدي القارئ، فرحل عن هذا العالم في الواحدة والستين.. سن العطاء والنضج. مثلما رحل كتاب وصحفيون آخرون في السنوات الأخيرة وفي الحلق غصة عدم إتمام العمل. رحل مبكرا بوجع القلب كما رحل كثير من حملة السؤال، وترك كما تركوا فراغا وحزنا وانتظارا. داهمه المرض وهو يُدون أفكارا مبعثرة حول هذا الحدث وذاك وهذا المكان وذاك وهذه الشخصية وتلك، يفترض أن تتماسك وتتواصل لتبني أعمالا فنية جميلة تدعم مكتبات من يقرأون.. قاوم وقاوم لكن القلب استلم تذكرة الذهاب. كان كريمو هكذا يناديه المقربون من الأهل والأصدقاء والزملاء فنانا في عمله الصحفي. أحب كثيرا كتابة الروبرتاج وهو أرقى أنواع الكتابة الصحفية، فأبدع فيه بلغته الأدبية وأسلوبه الفني الجميل. كتب عن الفكر والمفكرين، الموسيقى والمسرح والسينما والطبيعة الخلابة والجميل من عادات وتقاليد الجزائريين. حمل منذ بداية مشواره الصحفي بمجلة ”الوحدة” مطلع ثمانينيات القرن الماضي هموم وطموح الشباب وهو يتنقل من ولاية لأخرى، حاملا السؤال ساعيا للجواب، واعتنق الحب الكبير في عشرية الدم والنار والدخان مقاوما للإرهاب. كانت الانطلاقة إذن من ”الوحدة” كما هي انطلاقة عدد كبير من الشباب الذين صاروا صحفيين وكتابا لامعين ثم في ”الجزائر الأحداث” أكبر أسبوعيات الجزائر على الإطلاق، وعمل بها محررا ثقافيا ثم صار مديرا، واستقال من المنصب لرفضه الإملاءات من الوصاية الإدارية. بدأ بعدها رحلة أخرى بين صحف القطاع الخاص من ”الوطن” إلى le siècle واستقر به المقام في مؤسسة التلفزيون مستشارا مشاركا في إنتاج الإشرطة. وهو أيضا كاتب متنوع الاهتمامات، ترك ثلاثة مؤلفات ”فن السيراميك في الجزائر” و”زمن الوطنيين” و”الباحثون في الصحراء” ومشاريع أخرى بشكل أفكار مدونة ومسودات لم تكتمل. غادر كريمو هذا العالم جسدا لكن سيبقى صورة جميلة لصحفي هادئ مرح خفيف الظل وكاتب نبيل، تقدمي النهج، إنساني السلوك.. شلال رحمة وسلام على روحك المرحة.