كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مآسي الشباب الذين نال منهم اليأس، إلى درجة جعلتهم يخوضون المغامرات المميتة، ويراهنون بالحياة للوصول إلى هدف نتائجه غير مضمونة، فهؤلاء يقضون الليالي البيضاء وهم يترصدون الفرصة المواتية للتسلل إلى خارج البلاد، بعد أن يكونوا بذلوا مجهودات كبيرة استعداد لتلك الليلة• لكن بالموازاة يقضي شباب آخرون ليال بيضاء أيضا، لكن ليس بغرض الهرب، بل لتحقيق الذات في الوطن الأم والتغلب على المشاكل بالصبر والإصرار، إذ تشير أرقام وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى أن أكثر من 300 مؤسسة مصغرة، نشأت من خلال وكالة دعم وتشغيل الشباب "انساج"، تتحول سنويا إلى مؤسسات صغيرة بعدما تصبح بحاجة للتوسعة، ما يعني أن الشباب الذين يقومون بمشاريع على مستوى الوكالة يساهمون في تكثيف شبكة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد بدورها رهان الاقتصاد الوطني للتحرر من التبعية للمحروقات• فيما بلغ العدد الإجمالي للنشاطات الحرفية، حسب تصريحات 31 غرفة للصناعة التقليدية والحرف، 116 ألف و347 نشاط حرفي، منهم 115 ألف و508 حرفي فردي، بينما وصل عدد الحرفيين الجدد السنة الماضية إلى 13 ألف و788 حرفي• ما يعني أن عدد الحرفيين سجل نموا عام 2007 يقدر ب10 آلاف و143 حرفي، وقد مكنت هذه النشاطات الجديدة، من تشغيل 27 ألف و576 أجير، وعلى الرغم من أن هذه الأرقام مازالت غير كافية، إلا أن مدلولها يبقى مدعاة للتفاؤل، وأفضل بكثير من إحصاء عدد محاولات الهجرة السرية المسجلة شهريا أو سنويا، خاصة إذا علمنا أن العديد من الدول ترفع حجم صادراتها من خلال صناعتها التقليدية• إنشاء مؤسسة صغيرة يبدأ بفكرة، تتحول إلى مشروع بسيط بحاجة إلى قرض من البنك، ليصبح مؤسسة مصغرة، لها منتوج يزاحم غيره من السلع في السوق ويسعى للبقاء، وقد يكبر الطموح ليصبح الهدف منافسة المنتوجات في الأسواق الدولية، هذه الأحلام تبدو خيالية وقد تضحك بعض الشباب المتشائم من جراء المشاكل المتراكمة• لكنها تعد منطقية جدا لدى آخرين، مثل سهام منصر ذات ال25 ربيعا، التي تكافح من أجل إنشاء مؤسستها الخاصة، المتمثلة في وكالة اتصال قررت أن تسميها "شاب غرافيك"، سهام تحمل شهادة تقني سامي في الفنون والصناعات المطبعية، عملت في عدد من المؤسسات براتب غير مرض لتقرر إنشاء مؤسستها الخاصة، وعلى الرغم من العراقيل والصعوبات التي اعترضتها، إلا أن معنوياتها لم تتأثر، وتقول "أحيانا كنت أنام ساعتين في الليل وكنت أحيانا أخرى أقضي ليال بيضاء، لكن إيماني بفكرتي، جعلني أواصل المشوار"، وتضيف "لست أفهم كيف ينجح أجانب في الجزائر ويفشل الجزائريون في بلدهم، "فالكثير من المستثمرين الأجانب حققوا نجاحات كبيرة في بلادنا، ما يعني أن الخيرات موجودة، بينما نحن نفر إلى بلدان أخرى، وهذا الأمر أعتبره غير معقول"• "إ• ت" البالغ من العمر 31 سنة هو أيضا شاب مكافح، لم يتمكن من إتمام دراسته الجامعية، إذ توقف مساره التعليمي في المستوى النهائي، إلا أنه يواجه الحياة بابتسامة وتفاؤل، يفكر في إنشاء مؤسسته الخاصة التي ستكون متخصصة في إنجاز شبكات توزيع الكهرباء، عمل في العديد من المؤسسات الخاصة، اعتمد على شهادته "تقني في مجال الإلكترونيك"، وهو حاليا يهتم بإتمام ملف مشروعه للحصول على القرض البنكي، يتحدث عن مشروعه بحماس وهو مصر على إنجاحه• وبنفس الإصرار والتفاؤل يتحدث إلينا "س• غ" الذي يعمل كموزع لقارورات غاز البوتان بوسيلة نقل خاصة اشتراها بقيمة القرض الذي حصل عليه من البنك، وهو المشروع الذي اقترحته عليه الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب• لم يفكر في "الحرفة" على الرغم من العراقيل التي واجهته ومازالت تواجهه، إلا أنه متعاطف جدا مع الحرافة، حيث قال إنه من واجب السلطات أن تعمل على تسهيل الأمور للشباب "وفتح الأبواب في وجوههم وتقليص البيروقراطية وإتاحة المزيد من الفرص لهم بالعيش الكريم، حتى لا يتمكن اليأس منهم بسهولة"• وإلى أن يلقى نداء "س •غ" الآذان الصاغية، يبقى منظر الشاب الذي ينتظر دوره أمام شباك إيداع ملف مشروعه، أفضل من ذاك الذي يقف في طابور أمام سفارة يحلم بتأشيرة الذهاب بدون عودة•