في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بالذكرى الستون لتأسيسها في الثامن من ماي الجاري، قررت منظمة الانوروا الأممية، أمس، وقف المساعدات الغذائية التي تقدمها للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، والسبب تقول المنظمة هو أزمة الوقود التي يعاني منها القطاع• وهل تكفي لفظة "أزمة إنسانية" لوصف ما يجري في غزة من حصار وتجويع وتصفية، تريد من ورائها إسرائيل دفع الفلسطينيين على الهجرة وترك المكان، وهي السياسة التي مارستها الدولة الصهيونية منذ مذبحة دير ياسين إلى اليوم، وقد أثمرت بالفعل الملايين من المهاجرين الذين يشكلون شتاتا خلف في مصطلح اليهود الشتات ؟ لكن أين المنظمات الإنسانية التي تذرف دموع التماسيح على ما أسمته اضطهاد الصين للسكان هضبة التبت، والتي اتخذها الغرب حجة تلوح بها بمناسبة احتضان الصين للألعاب الأولمبية لهذه الصائفة، أين ذلك الدفق البشري الذي خرج في كل شوارع مدن العالم التي مرت بها الشعلة الأولمبية في طريقها إلى الصين، منددين بمعاناة الدالي لاما وأتباعه ؟ أين هم مما يعانيه سكان غزة على يد الصهاينة، فهل جوعت الصين أطفال التبت، ومنعتهم من الغذاء والعلاج مثلما فعلت إسرائيل، وهل هدمت المساكن على رؤوس قاطنيها، مثلما تفعله يوميا الجرافات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية ؟ لكن مع ذلك لم تحض معاناة سكان أرض كنعان بنفس التعاطف الإنساني الذي حضيت به القضية التبتية، التي تبقى هي الأخرى مشكلة إنسانية وجب إيجاد حل لها، حفاظا على كرامة الإنسان أينما كان• أم أن الدعم الذي لقيته قضية التبت هذه الأيام ما هو إلا صورة أخرى لتفويض النفوذ الاقتصادي الصيني في العالم، الذي بات يهدد اقتصاديات الدول المتقدمة، بما فيها أمريكا نفسها، حتى أن الدولار سجل مؤخرا تراجعا تاريخيا أمام الين الصيني، وهذا هو في الحقيقة مصدر القلق• لكننا تعودنا الكيل بمكيالين في فلسفة الدفاع عن حقوق الإنسان، الذي يرفعها الغرب "الإنساني" في وجه الشرق "المتخلف"، وهي امتداد للصورة الإعلامية التي تسوقها وسائل الإعلام الغربية لهذه القضايا، فنصيب مأساة أطفال غزة لا تتعدى بضعة ثوان في أخبار تأخذ فيها قضية التبت الساعات•