أما في مجال التربية فقد كان مثالها دائما الوقاية خير من العلاج• لكن علاج أمي كان له طعم الفلفل الحار الذي كانت تزرعه وتتفنن في الاعتناء به في حديقتها الصغيرة خلف البيت ولهذا لم يكن بيتنا يخلو منه أبدا• وكم كنت أحب شكل تلك القلائد الحمراء التي كانت تصنعها منه ثم تعلقها في أماكن مختلفة من المطبح والباحة• وإلى جانب استعمالها الفلفل الحار في الطعام كانت لها فيه مآرب أخرى، وهو كونه سلاحها الفعال أمام الكلمات الكبيرة أو mots gros les كما يقال بالفرنسية• فما إن فكر أحدنا أو نطق بإحدى تلك الكلمات الكبيرة أمسكته بين ركبتيها وحكت له الفلفل في فمه، وقد نالت إحدى أخواتي هذا العلاج مرة ما جعلها تتردد لسنوات حتى في الإجابة حتى على الأسئلة في حضرة أمي• لأن قائمة الكلمات الكبيرة، طويلة ولم تكن قد أحصتها كلها• طبعا كنا نتمرد أحيانا فنتجمع في إحدى غرف البيت وننصّب من بيننا حارسا ثم نروح نحصي ما تعلمناه أو ما سمعناه عن الكبار والذي لم يكن يحق لنا نحن الصغار أن نتفوه به، ولم نكن نفهم كيف يعاقبوننا على موروث لغوي لم يصلنا إلاّ عن طريقهم، فلا مجال وقتها في اتهام قنوات الإعلام من تلفزيون أو أنترنت ولم نكن قد سمعنا بعد بالعولمة، فقد كانت الرقابة الاجتماعية في أوج قوّتها آنذاك• ولكنه ذلك النفاق الذي يسعى إلى الملائكية بنعال الشياطين• أما اليوم فلا يمكنني أن أستعمل هذا العلاج مع طفلي الشقي، وإلا ألّبتُ ضدي منظمة الدفاع عن حقوق الطفل، ولذلك فقد اهتديت إلى طريقة أخرى غير الطريقة الإرهابية لأمي: بما أننا في عصر الديموقراطية والحوار• كلما احتاج ابني إلى الإنفاق من رصيده اللغوي البائس للكلمات الكبيرة، طلبت منه ان يذهب ويفعل ذلك في الحمام او(المرحاض) أكرمكم الله، ثم عليه أن ينظف فمه وأسنانه بالفرشاة والمعجون مدّة خمس دقائق، ذلك أن تلك الكلمات تترك رائحة كريهة في الفم وفي المكان أقول له إن سألني ولهذا فمكانها الطبيعي هو الحمام• وصدّقوني الطريقة ناجعة إلى حد بعيد• في إحدى المرات جاءني مصرخا (وفي عينيه بريق أبيع الدنيا بما فيها لأجله) ماما لقد قلت كلمة كبيرة جدا، فلما عقدت على حاجبي استعدادا لتأنيبه استوقفني وقال الا تريدين أن تعرفي ماذا قلت؟ فأجبته أنه لا يجب تكرار الكلمات الكبيرة وإلاّ كان العقاب مضاعفا• إلاّ هذه قال لي ثم اضاف بصوت عال وهو ينقض علي لقد قلت •أحبك• فقلت في نفسي ليت كل كلماتنا الكبيرة نحن (الكبار) بهذا الشكل•