حضرت في الشارقة مطلع الشهر الفارط، عرض مسرحية "صح النوم" للسيدة فيروز، في قاعة المدينة الجامعية، التي امتلأت عن آخرها•• كانت تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها هذه المرأة العملاقة مباشرة على خشبة المسرح، ومن يدري، لعلني لن أراها بعد ذلك أبدا• ليس من الحكمة أن يضيع المرء مثل هذه الفرص التاريخية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بفيروز، الأسطورة التي اشتهرت بالرحابنة واشتهروا بها، وأصبحت رمزا شامخا من رموز لبنان، بل و"سفيرة العرب إلى النجوم"• كان سعر تذكرة الدخول 700 درهم إماراتي، أي ما يعادل 15 ألف دينار جزائري، وهو معدل الرواتب بالنسبة للآسيويين في الإمارات، كما أنه إيجار شهر في سكن جماعي في غرفة صغيرة، تقتسمها مع ثلاثة إلى سبعة أشخاص آخرين• يقول زملاؤنا المصريون في "الخليج"، إن تذكرة الدخول إلى حفلات كوكب الشرق "أم كلثوم" كانت في الستينات ب 10 جنيهات مصرية، أي ما يعادل اليوم ألف جنيه، أو 15 ألف و500 دينار جزائري، وفي السبعينات ارتفعت إلى 40 جنيه، أي ما يعادل اليوم 30 ألف دينار جزائري، وفي أواخر أيام "أم كلثوم" أصبحت تذكرة حفلاتها ب 100 جنية، أي ما يعادل اليوم 50 ألف دينار جزائري• تساءلت بيني وبين نفسي: لو غنت كوكب الشرق في الجزائر سنة 1974، هل كان الجزائريون سيدفعون ما يعادل هذا المبلغ آنذاك لسماعها ؟ مشاهدة "فيروز" على المباشر أمر جدير، بأن يدفع من أجله الشيء الفلاني، لكننا كإعلاميين كنا مصرين على تحصيل تذاكرنا من دون دفع ولو درهم واحد• أليس ذلك من حقنا ؟ على رغم العديد من المحاولات، لم يفلح لا رئيس قسم المنوعات (الأخبار الفنية) ولا حتى مدير التحرير في الحصول على التذاكر، وكان زميلنا "حسام" حضر الندوة الصحفية التي عقدها المنظمون قبل أيام، فاتصل بهم يطلب تذاكر الإعلاميين، وهو أمر أقل من العادي، أصحابنا رفضوا منح أكثر من تذكرة واحدة، على أساس أن المصورين غير مرغوب فيهم، فما كان من الزميل إلا أن زايد عليهم في الكلام، مصرا على 10 تذاكر دخول، فاصله المتحدث البريطاني على خمسة، فرفض الزميل، وقال إن ذلك الأسلوب لا يليق في التعامل مع الإعلام الذي لولاه لما كان للحفل أية قيمة ولما سمع به أحد، وبعد مفاوضات ماراطونية مع مسؤوليه، اتصل هذا البريطاني مجددا وأكد موافقة المنظمين على منحنا 10 تذاكر• لم يكن في العرض شيء جديد إذا استثنينا التوزيع والتسجيل الحديث للأغاني، واللذان قام بهما "زياد رحباني" نجل "فيروز"، لكن الذين جاءوا من أربعة أركان الإمارات من أجل حضور الحفل، لم يكن يهمهم مضمونه بقدر ما كان يهمهم استنشاق عبق الستينيات والسبعينيات في لبنان على مسرح البيكادلي، عندما كان الأخوان "رحباني" في أوج تألقهما العربي والعالمي• الرحابنة لهم تفردهم الإبداعي وطعمهم الخاص، وما يزال لهم حضورهم القوي رغم كل الزبد "الفني" الذي يطفو اليوم على الساحة•