كثيرا ما تكتب الصحافة في الخليج عن المشاكل الإجتماعية التي أصبحت تحدث بكثرة جراء الفارق الذهني والسلوكي بين الأجيال القديمة وبين الجيل الجديد، والواقع أن هذه المسألة ليست محصورة في اختلاف جيل عن جيل فحسب، بل إنها أعمق من ذلك بكثير• ليست المسألة أن ثمة أجيالا تتعاقب في أزمنة مختلفة أو متلاحقة، بل المسألة هي أن ثمة أزمنة كثيرة متداخلة في آن واحد، حتى عندما ننظر إلى الجيل الواحد• الأجيال الجديدة من الشباب الخليجي خصوصا والعربي عموما، أصبحت تنظر إلى الأشياء بمنظار مختلف، ليس ذلك بفعل الصدفة، بل هو بفعل عوامل وقوى ذاتية وموضوعية تتحرك في مختلف المشاهد والساحات الإجتماعية والثقافية• اليوم وبفعل واقع السماوات المفتوحة، أصبحت الأجيال الخليجية والعربية الجديدة تشعر بالزمن الغربي وتعيشه بينما ليس للزمن العربي أي نوع من أنواع الحضور داخل حسها ووجدانها• زمن الجيل الجديد غير زمننا تماما، وغير زمن الذين كانوا قبلنا، الجيل الجديد أصبح أكثر انفتاحا على الواقع في مختلف تجلياته واتجاهاته، وأسهل في جانب التقبل لما يحدث كما يحدث، بصرف النظر عن المصلحة التي يصب فيها الحدث• على الضفة الأخرى من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، نلاحظ أن الغرب وفي اللحظة نفسها، تمكن من استيعاب أزمنة مختلفة وهامشية، تعيش على ضفاف الزمن الغربي الكبير الناظم للواقع الاجتماعي ؟ لأن هذه الأزمنة الهامشية لا تشوّش على الزمن الرئيسي الناظم للمجتمعات الغربية، لذلك نجدها في الأغلب الأعم، لا تتبرم بالاختلاف والتنوع الفكري والسلوكي• بينما مجتمعاتنا تخاف من أبسط مظاهر الاختلاف التي تتصور أنها يمكن أن تشوه ملامح واقعنا العام وزمننا الهش أو بالأحرى زمننا الذي لا وجود له أصلا• المشكلة الأساسية في واقعنا العربي، هي أنه ليس لدينا ناظم زمني رئيسي، بإمكانه أن يستوعب مفردات الاختلاف في حياتنا وفي تطورنا• لا وجود لناظم زمني عربي، بل إنه لا وجود حتى لناظم زمني داخل كل قطر عربي، لم نصل بعد إلى إبداع زمن خاص بنا، زمن تتكثف فيه رؤية سياسية ما، ورؤية اجتماعية ما، ورؤية ثقافية ما، ورؤية اقتصادية ما• والسبب في ذلك، أننا ما نزال نعيش زمن الموتى، ونأخذ معارفنا ومسلكياتنا كما يقول الصوفية "ميتا عن ميت"، ما نزال لم نحسم أمورنا المعرفية والتاريخية، ما نزال نعيش مرحلة صناعة زمن الموت، ولم نصل بعد إلى مرحلة صناعة زمن الحياة• لو لم تقم أوروبا بممارسة قطائعها التاريخية حيال المنجز القروسطي الظلامي، لكانت اليوم ما تزال تراوح مكانها مع الشعوب المتخلفة، صحيح أن الغرب يعاني مشاكل عديدة، وهذه طبيعة الحضارات كلها، لكن الغرب يعاني مشاكل الأحياء، أما نحن فما نزال نصر على سياسة شد العصا من الوسط، ونعاني مشاكل الأموات، بل ندفع فواتيرهم المؤجلة باستمرار، نجتر ونجر وراءنا مشاكل أقوام ماتوا وخلفوا لنا سلطة نصوصهم لتقتلنا تحت عنوان القداسة•