عندما كتبت بعض الصحف تقول: إن البلاد ليس فيها برلمان وإنما يوجد بها نواب على مستوى الأجور والمقاعد والمراقد في إقامات الدولة، ثارت ثائرة "البرلمانيين"".. لكن عندما نسمع بأن التعديلات التي طالب بها النواب في قانون المالية لم يقبل منها أي تعديل، رغم أن عددها كان بالمئات، فإن القنطة تتسلل إلى النفوس .. ! ما الفائدة إذن من مناقشة قانون المالية إذا كان هذا القانون غير قابل للتعديل ؟! ولماذا يقدم النواب تعديلاتهم إذا كانوا غير قادرين على فرضها في النص الأخير المصادق عليه؟!.. من المضحكات النيابية أن بعض التعديلات رفضت لأنها لا تحمل الإجراءات المطلوبة للتعديل.. أي أنها رفضت من حيث الشكل، كما يقول فقهاء القانون..! وهذا في حد ذاته يطرح إشكالية مستوى النواب القانوني والثقافي، فالنائب الذي لا يعرف الإجراءات الشكلية لتسجيل تعديله، كيف يمكن أن يقوم بتقديم تعديل مقبول ؟! .. بل كيف يمكن أن نسميه نائبا أصلا؟!.. ولماذا لا يقوم البرلمان بدورات تكوينية للنواب إذن؟! .. لكن المصيبة تصبح أكبر عندما نعرف أن النواب يواجهون تسلط رؤساء الكتل البرلمانية ورؤساء اللجان البرلمانية أكثر مما يواجهون الحكومة ؟!.. وأن رؤساء الكتل البرلمانية ورؤساء اللجان صادروا بالفعل صفة النيابة من النائب، وأصبحت هذه الكتل واللجان عبارة عن خلايا للأحزاب وليس هيئات برلمانية؟!.. وقد وصل الأمر إلى حد أن البرلمان أصبح بإمكانه سحب جزء من راتب النائب أو راتبه كاملا لفائدة حزب ما !.. كنا نشتكي من ظاهرة تحول البرلمان إلى غرفة تسجيل فقط.. لكن الآن حتى ظاهرة التسجيل أصبحت غير واردة؟! .. فالنيابة في البلاد تعيش محنة حقيقية، ورداءة الأداء النيابي لا يقل عن رداءة الأداء الحكومي !.. وحتى قانون المالية الذي كان يستر عورة البرلمانيين أصبح الآن بلا معنى بعد أن تخلى النواب عن حقهم في مراقبة هذا القانون بالصورة المطلوبة ! فهل الخلل في النواب أم في الأحزاب؟! أم في الإثنين معا؟!..