أضحت فترة الحمل إلى ما بعد الولادة، هاجسا يؤرق المقبلات على هذه المرحلة ويتوعدهن بمصير مجهول، ترتسم ملامحه بمصطلحات محددة على غرار »المعريفة، المال والنفوذ ..« التي غزت هذا القطاع، وأصبحت أحد الأساسيات في الظفر بمكان لوضع مولود جديد، أو حتى الحصول على حجز مسبق، في ظل الفوضى والعشوائية التي تعيشها ذات المصالح، بعد أن تناسى بعض القائمون على القطاع أخلاقيات أنبل مهنة، والتي تستدعي تواجد أصحاب الضمائر الحية قبل غيرهم، فمتى ينتشل هذا القطاع من الأوحال؟ "السياسي" تطرقت للظاهرة من باب البحث في الأسباب والنتائج لمعرفة الحلول الكفيلة للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت اليوم كابوسا يهدد الحوامل منذ الفترات الأولى للحمل إلى ما بعد الولادة، ولتدعيم موضوعنا هذا اقتربنا من عدة مستشفيات بالعاصمة وضواحيها بالتحديد »مصالح الولادة« على غرار مستشفى مصطفى باشا ومستشفى القبة ومستشفى عين طاية ومستشفى بلفور، صحيح أننا لم نتمكن من التصوير لحساسية الوضع إلا أننا تمكنا من العثور على أمثلة حية داخل ذات المصالح وخارجها والتي تمثل قلة قليلة لمعاناة حوامل كثيرات داخل قطاع الولادة بمستشفياتنا، فبعضهن إن أسعفهن الحظ وبقين أحياء لن يفارقهن هذا الكابوس. حوامل يعشن على أعصابهن طوال الفترة (س.م) أم لأربعة أطفال تقطن بالجزائر الوسطى، التقيناها بمستشفى مصطفى باشا هي ورضيعها بعد ولادتها ببضعة أشهر، استاءت من الخدمات المقدمة عبر مصلحة الولادة بذات المستشفى، فمثلا هي شخصيا مكثت بالمستشفى لفترة طويلة جعلتها تقف على كل النقائص تقريبا، فقد قضت عشرين يوما قبل الولادة ثم غادرت المستشفى وتركت رضيعها في المستشفى نتيجة إصابته بداء »بوصفاير« بنسبة 300، وتم إخلاء سبيل الأم لعدم توفر مكان بالمشفى، شريطة أن تلتحق الأم بالمستشفى بين كل فترة وأخرى حتى ليلا لإرضاع مولودها فاستمرت حالتها يومين كاملين، إلى أن رأفت بها إحدى قابلات القطاع خصوصا وأنها أجرت عملية قيصرية والتي شكلت لها صعوبة عند صعود الدرج، ثم مكثت بالمستشفى ثانية لمدة 12 يوما، فحسب ذات السيدة أن قطاع الولادة بذات المستشفى يفتقر إلى أدنى شروط النظافة، ناهيك عن المعاملة السيئة التي تنتهجها أغلب القابلات مع الحوامل، كما شاطرتها الحديث سيدة أخرى كانت بجوارها وحدثتنا عن تجربتها الشخصية حينما وضعت مولودها لتجده بعد لحظات ملقى فوق الطاولة والنافذة مفتوحة بقربه، إذ همت بضم مولودها ونقله إلى الغرفة رغم التعب والإعياء الشديد إلى أن حملته عنها المنظفة في الرواق وأخذته إلى الغرفة. (إ.ن) تبلغ من العمر 22 سنة، وضعت مولودها الأول بمستشفى القبة منذ عشرين يوما، أجرت عملية قيصرية وخرجت من المستشفى بعد مكوثها قرابة الأسبوع، وعلى الرغم من أن رضيعتها انتقلت إليها عدوى، إلا أنها غادرت القطاع هي وابنتها شريطة أن تلتحق الرضيعة بالمستشفى يوميا على الساعة التاسعة صباحا والتاسعة ليلا، من أجل حقنة التطعيم لمدة عشرة أيام، أما (ف.ز) فقد وضعت مولودها الأول داخل السيارة بمساعدة جدة الرضيع قبل أن تصل المستشفى آخر مرة بعد التحاقها عدة مرات بالمستشفى. وقد حدثتنا بعض السيدات عن مشكل عدم قبول الحوامل في مستشفى مصطفى باشا حيث تضطر الكثيرات منهن إلى وضع الرضع في الدرج والأروقة.
القابلات يؤكدن: "الفوضى التي تعيشها المستشفيات سببها نقص القابلات خلال المناوبة الليلية" أكدت(هجيرة.ع) قابلة بإحدى مستشفيات العاصمة ل»السياسي«، أن مصالح الولادة تستقبل الحوامل حسب الجهات المحيطة بالمستشفى، وأن عدم تمكن المرأة من وضع مولودها لأسباب، ما يؤدي ذلك إلى مضاعفات من بينها ارتفاع الضغط لدى الحامل والطفل فقد يموت الجنين في بطن أمه، ارتفاع نسبة السكر في الدم، عدم التنفس بشكل جيد يؤدي إلى اختناق الطفل، وكذلك يموت الجنين إذا فاق مدة تسعة أشهر في بطن أمه، كما أن الأمراض المزمنة هي الأخرى قد تؤدي إلى وفات الجنين بالإضافة إلى مشكل آخر، يتمثل في أن المستشفيات الصغيرة ينقصها العتاد كالإنعاش مثلا، وهو ما يشكل ضغطا على المستشفيات الكبيرة، التي تحتوي على كل الوسائل وردا على سؤال »السياسي« المتعلق باستفحال ظاهرة »المعريفة«، فقد أجابت ذات القابلة »صحيح أن»المعريفة« انتشرت في الآونة الأخيرة لكن نطلق عليها نحن تبادل خدمات، وشاعت هذه الظاهرة فقط من أجل تغطية الضغط الكبير المتواجد عبر المستشفيات«، أما بخصوص سؤالنا عن تضاعف العمليات القيصرية خلال الولادة في السنوات الأخيرة فقد أرجعت السبب ذات القابلة إلى أنه زيادة على الأسباب المعروفة للعملية القيصرية على غرار التفاف الحبل السري حول عنق الرحم، أو الوضعية الغير صحيحة للجنين ... استحدثت أسباب أخرى للعملية القيصرية عبر العيادات الخاصة هدفها مالي بالدرجة الأولى خصوصا لدى الحامل التي تضع مولودها لأول مرة حيث يوهمها الأطباء الخواص بالتخلص نهائيا من الآلام بحقنة حددها هؤلاء بمبلغ 5 ألاف دينار، وعندما لا تتوقف الآلام يقترح عليها الأطباء المختصين عملية قيصرية وهو ما يحدث في أغلب عياداتنا الخاصة منذ السنوات الأخيرة. »على الطبيب الخاص تحضير الحامل لمرحلة الولادة« وقد أوردت ذات القابلة أن الفوضى التي تحدث في المستشفيات ناتجة عن عشوائية المتابعة لدى الطبيب المختص، الذي يحدد للحامل وقت ولادة عشوائي، كما لا يهتم بتهيئة هذه الحامل لمرحلة الولادة، على الرغم من أنه يتوجب على الطبيب الخاص أن يهيئ المرأة الحامل نفسيا، خاصة فيما يتعلق بآلام فترة الولادة، وكيف تتم الولادة وهذه الأخيرة تحقق نسبة 80 بالمئة من نجاح هذه المرحلة، وأوردت سببا آخر ناتج عن الفوضى هو الآخر ويتمثل في نقص القابلات ليلا في قطاع الولادة حيث يتوفر المستشفى على قابلتين مناوبتين في حين أنه توجد ثلاثون ولادة ليلا في كل يوم.
فكراش: "على المرأة أن تحضّر نفسها وتطرح كل الأسئلة على طبيبها" شرحت الأستاذة سميرة فكراش مديرة البحوث والتطبيقات النفسانية ل»السياسي« وضعية المرأة الحامل والمشاكل التي قد تسبب تعقيدات لها طوال فترة الحمل وما بعدها، حيث تطرقت إلى الأماكن التي تتواجد فيها الحامل من مستشفيات وعيادات خاصة والتي يجب أن تتوفر على ظروف ملائمة، مشيرة في ذلك إلى الظروف النفسية الناتجة عن بعض النقاط كطاقم طبي كفء، ونتغاضى عن الأوساخ مثلا إذ يجب أن يكون هناك كل متكامل عتاد لازم ونظافة، وإسعاف جيد كل هذه العوامل لها تأثير مباشر على المرأة إلا أننا نشدد على لغة الحوار خطوة بخطوة فإذا انعدم الحوار يتسبب ذلك في مشاكل عدة كارتفاع الضغط، ارتفاع السكر، التوتر، حالة من الاكتئاب علما أن المرأة تعيش حالة من الاكتئاب مع رضيعها في فترة الحمل خلال الأشهر الأولى أو بعد الولادة، كما أن المحيط والمشاكل يسبب حساسية مفرطة، حالة من البكاء، ألام نفسية داخلية وكي نتفادى حدوث كل هذه المشاكل لابد من التأكيد على أهمية الحوار ودور الطبيب المشرف، ودور القابلة مهم جدا، النظافة التامة للأماكن، وعلى الطبيب المشرف أن يشرح للحامل عملية الولادة والخوف من المجهول. وأكدت أستاذة علم النفس أن أي تعقيدات تسبب مشاكل فقد يغير الجنين وضعيته من تأثير الحالة النفسية، الانقباض على مستوى العضلات وهو ما يؤثر على الوضع وعلى المرأة أن لا تصغي إلى الأقاويل وتطرح كل الأسئلة على طبيبها أو القابلة فهم أدرى بحالتها وأن لا تغير الطبيب ويجب أن تقوم بجلسة قبل أيام قليلة مع الطاقم الطبي وهو ما سيحضرها ويريحها نفسيا.
الدكتور زوان: "المرأة التي تواجه تقيدات لن تستطيع منح الأفضل لها ولطفلها" أكد الدكتور (أ.زوان) طبيب عام في أحد مستشفيات العاصمة أن الحمل من الممكن أن يرتبط بمشاكل إذا لم تتوفر الشروط النفسية، وهذا الحمل لن يجري حتما في ظروف جيدة، وقد نسجل حالات لسقوط الجنين أثناء الأشهر الأولى إذا كانت هناك اضطرابات نفسية، خصوصا في الأيام الأخيرة بالتحديد قبل الولادة خاصة لدى المرأة التي تضع مولودها لأول مرة، لذا يجب أن يجري الحمل في ظروف جيدة عبر كل الفترات، فمثلا إن سمعت الحامل أن القابلات يعاملون الحوامل معاملة سيئة، هذا يهدد الولادة ويؤثر عليها بشكل كبير أو إذا سمعت الحامل من قبل عن مستوى تقديم الخدمات الصحية في ذاك المستشفى أو تدني الرعاية الصحية، حيث تعيش الحامل في خوفها وتكون قلقة ومرتكبة، وهو ما ينعكس سلبا على مجرى الولادة ويسبب تعقيدات، وحسب رأي ذات الدكتور أن العناية بالنساء الحوامل في قطاع الولادة عبر مستشفياتنا هو مشكلة حقيقية، والأسباب متعددة والمرأة التي تواجه تعقيدات لن تستطيع منح الأفضل ولطفلها أيضا، كما أن الحامل ستمنح الحياة لمولود جديد فالحوامل فهن ثمينات والحياة الإنسانية هي غالية، لكن للأسف مجتمعنا لديه مفهوم خاطئ للطب المجاني وهو السبب في كل المشاكل نتيجة سوء العقلية الجزائرية وسوء التفكير الناتج عن أن الكل لديه الحق في خدمات المستشفى وهذا لن يحقق التطور. من خلال الجولة التي قادنا إلى مصالح الولادة عبر بعض المستشفيات تمكنا من الوقوف على بعض النقائص والسلبيات التي اعتبرتها الحوامل إحدى النقاط السوداء التي أساءت إلى القطاع الصحي والتي تستدعي تدخل المصالح المسؤولة لوضع حد للفوضى والعشوائية التي تسود مصالح الولادة خصوصا وأن الخدمات المقدمة عبر ذات المصالح تحتضر. وتبقى الحوامل يعانين، وتبقى مصالح الولادة غارقة في الفوضى وسوء التنظيم بالرغم من المجهودات الكبيرة التي توفرها الدولة، والتي تمثلت في أغلفة مالية جد هامة من أجل ضمان حق المواطن في التغطية الصحية والعلاج المجاني، وتعمل الوزارة المعنية جاهدة من أجل تحسين عمل المستشفيات، حيث لا يتوانى وزير الصحة وإصلاح المستشفيات جمال ولد عباس في تشديد العقوبة على المتسببين في هذه الفوضى، من خلال القيام بخرجات وزيارات مفاجئة للمصالح الاستشفائية، حيث تم توقيف الكثير من المدراء والمسؤولين بالمستشفيات، إلا أن الحالة التي وقفنا على جانب منها بمصلحة الولادة يندى لها الجبين.