تغير النمط المعيشي للعائلات الجزائرية بمجرد انتشار بعض الحرف التي ساهمت بشكل أو بآخر في تحسين الظروف المعيشية للأفراد، وحوّلت مجرى حياتهم، لتتجسّد في ورشات العجين بالدرجة الأولى والتي تتمثل في صنع العجائن وبيعها تحت الطلب، خاصة وأنها حقّقت شعبية واسعة في ظل تواجد الكثيرات ممن أعلن الحرب على إعدادها في المنازل، وبجانب هذه الصنعة، حقّقت الخياطة وبعض الحرف الأخرى رواجا في الآونة الأخيرة. ورشات العجين.. صناعة تدر أموالا طائلة أصبحت صناعة العجائن المختلفة من بين الصناعات الرائجة التي دخلت العديد من البيوت، بما أن الكثيرات امتنعن عن تحضير مختلف العجائن المنزلية مثل الطعام، الرشتة، الشخشوخة، الديول والحلويات بأنواعها وباتت النسوة تطلبنها جاهزة متحججات في ذلك بضيق الوقت، التعب، والواجبات المنزلية في ظل وجود نسوة يتفنن في تحضير هذه العجائن ويقمن ببيعها تحت الطلب. صغيرات السن أقبلن هن أيضا على هذه المهنة والملفت للإنتباه أنه حتى الفتيات الصغيرات اللواتي لازلن في مقتبل العمر ومراهقات ولجن هذا المجال نظرا للأرباح التي تحقّقها هذه المهنة في المنازل، وفي حديثنا مع مواطنين، أكدوا لنا صحة هذا القول فمثلا فتاة لا يتعدى عمرها الثلاثين سنة تقوم بتحضير »طعام الفتيل« وبيعه تحت الطلب. حتى الخياطة وحرف أخرى غزت المنازل والملاحظ أن الفترة الأخيرة تميزت بغزو بعض الحرف التقليدية للعديد من المنازل على غرار الخياطة، الشبيكة، الطرز وبعض الحرف الأخرى التي كانت في وقت غير بعيد تعاني من شبح الآلة، بعدما أصبح الكل يعتمد على الجاهز ولا يكلف نفسه عناء التحضير، نظرا لطبيعة القيام بإحدى الصناعات التقليدية التي تتطلب وقتا، وكشف شاب أن مهنة الخياطة حقّقت رواجا في الفترة الأخيرة كما أنها أمّنت دخلا معتبرا للماكثة بالبيت، وأضاف ذات الشاب أن المصروف الناتج عن هذه المهنة جعل المرأة الماكثة في البيت تساعد زوجها وتعيل أسرتها في ظل ارتفاع متطلبات العيش. بعضهن ترجّح "الفراغ" كأولى الأسباب وكشفت بعض السيدات على أن ممارستهن لهذه المهنة يعد من باب ملأ الفراغ لا غير خاصة وأن معظم ممتهنات هذا القطاع ماكثات بالبيت، وقد أفصحت سيدة تبيع »الرشتة« وتساعد زوجها على تحضير ماء الجافيل وبيعه في منزلهما أنها بدأت تمارس مهنتها تلقائيا وبما أن أطفالها الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 سنة تعدوا مرحلة الطفولة بدأت في ممارسة هذه المهنة التي وجدتها منفذا للفراغ الذي كانت تعيشه من قبل وأشارت »قبل ممارسة مهنتي هذه كان الفراغ عدوي، بما أنني كنت أجلس معظم الوقت في المنزل وحيدة« وأكدت أنها، عن طريق مهنتها وبواسطة عائداتها، تمكنت من تأثيث المنزل وتأمين كل حاجيات أطفالها قائلة »اقتنيت جهاز كمبيوتر لأطفالي على الرغم من صغر سنهم، اشتريت لهم جهاز بلايستشن، بالإضافة إلى الملابس وكل هذا من مصروفي الخاص«. فيما اعتادت الأخريات على مصروف الجيب ومن بين أهم الأسباب التي دفعت بالكثيرات إلى امتهان هذه المهن هو حب معظمهن لعنصر المال وتوفيره بشتى الوسائل والطرق، وهو السبب الرئيس الذي جعل الكثير من ربات البيوت في رحلة بحث دائمة عن وسيلة ما تمكنهن من تحقيق دخل مالي خصوصا وأن أغلب الحرف المنزلية لا تتطلب شهادة أو تكوينا معقدا يؤهل صاحبته ممارسة مهنة ما وهو أحد أسرار امتهان هذه الحرف، ومن بين الحالات التي وقفنا عليها هي حالة سيدة عقيمة تعيش رفقة زوجها وابن متبنى في منزلهم الخاص، فعلى الرغم من الأوضاع الميسورة التي تعيشها عائلتها الصغيرة إلا أنها فضّلت صناعة العجائن من »رشتة« و»ديول«، وجاء على لسان هذه السيدة »إمتهاني لهذه الصنعة حقّق لي دخلا معتبرا جعلني أستغني كليا عن مصروف زوجي«، وتضيف »تمكنت من تأثيث منزلي وفق ديكور عصري أسر كل ضيوفي، فقد جهزت مطبخي بكل الأجهزة الكهرومنزلية، كما أعدت ترتيب كل أجزاء منزلي«، وأشارت نفس محدثتنا في السياق ذاته إلى أنها أصبحت تتمتع بدخل خاص يمكنها من اقتناء الملابس والإكسسوارات، مؤكدة في ذلك إلى أن مصروفها الخاص من صناعة »الديول« و»الرشتة« التي تقوم ببيعها تحت الطلب وكشفت في هذا الصدد أنها في بعض الأحيان تعجز عن تلبية كل الطلبات التي تفوق العرض في غالب الأحيان. الأزواج والأبناء.. المرحب الأول بهذه الظاهرة وقد نالت فكرة اشتغال المرأة في منزلها إعجاب الكثير من الأزواج، خاصة أولئك الذين يرفضون عمل زوجاتهم عبر القطاعات العمومية والخاصة أو بالأحرى يفضلونها ماكثة بالبيت، وبما أن الفترة الأخيرة تميزت بزحف بعض الحرف على ما يعادل نصف البيوت الجزائرية، تمكنت عديد النساء الجزائريات من ممارسة نشاطات من داخل منازلهن وهي التي حقّقت لهن ثروات رحب بها الأزواج والأولاد، بما أنها خلصت الكثيرين من دائرة الفقر، بالنظر إلى الإمكانيات التي تتراوح بين المتوسطة والضعيفة التي تتعايش وإياها عديد الأسر الجزائرية