يبدأ اليوم الإسلامي مع أذان الفجر، ولكني سأبدأ بوقت عزيز شريف، عظّمه الله وأعلى مكانته، وهو وقت السحر، هذا الوقت العظيم المبارك، كم يفرط فيه كثير من المسلمين مع أنه وقت العطايا والهبات. تأمل فيما جاء في هذا الوقت من فضائل وما حاز من خيرات جاء في الحديث الصحيح، يقول، عليه الصلاة والسلام: "إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل نزل الله، عز وجل، إلى سماء الدنيا فقال: لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، حتى ينفجر الصبح". مختصر الصواعق المرسلة، واسناده صحيح. تأمل في هذه الرحمة وفي قوله سبحانه: «لا أسأل عن عبادي غيري»، هذا الوقت العبادة فيه أرفع والدعاء فيه أسمع واللذة فيه أمتع، ففي حديث عمرو بن عبسة قال: قلت يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة"، سنن أبي داود. وفي حديث عبدالله بن عمر قال: "نادى رجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي الليل أجوب دعوة ؟ قال جوف الليل الآخر"، مجمع الزوائد ورجاله رجال الصحيح. ولقد حث نبينا، عليه الصلاة والسلام، أمته على اغتنام هذه الأوقات فقال عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن"، سنن الترمذي. وهذا عام في ليالي العام وفي ليالي رمضان أعظم. اغتنم هذا الوقت أيها المسلم ولا تفرط فيه أبداً خصوصاً أن كثيراً من المسلمين يكونون مستيقظين هذه الساعات. فإذا ما أذّن الفجر وقد أنزلت حاجتك في جناب ربك، فكن أول الداخلين للمسجد تتلو كتاب ربك وتدعوه وتسأله وتظفر بأجر الماكث في المسجد الفائز بدعاء ملائكة الرحمن. صلِ الفجر بقلب خاشع وفؤاد حاضر، سبّح بتعظيم، ادع برغبة وعزيمة، صل على نبيك بأدب واسأل ربك قبول العمل. فإذا مانتهيت من صلاتك، احرص على جلسة الإشراق ففي فضلها جاءت الآثار وهي سنة نبيك المختار، فقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى الفجر، تربع في مجلسه، حتى تطلع الشمس حسناء"، سنن أبي داود. وقال، عليه الصلاة والسلام: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له أجر حجة و عمرة تامة، تامة، تامة"، صحيح الجامع. كم يحصل للمؤمن والمؤمنة من خير حال جلوسهم هذه الجلسة، فهم بين تلاوة وذكر واستغفار ودعاء وثناء وفي رمضان يعظم الأجر والثواب. احرص إن صليت بعد شروق الشمس أن تُكثر من الركعات، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، لنتعود على كثرة صلاة النافلة وليكن رمضان سبيلا لها. استرح بعد صلاتك هذه، حتى إذا ما قرُب الظهر فقم وتنفل واستعد لصلاة الظهر، وكن أول الداخلين للمسجد، فإن عجزت فلا أقل من لاتفوت الأربع ركعات قبل الظهر ثم تصلي فرضك بقلب حاضر. اجلس قليلا في مسجدك مصلياً وتالياً ثم اجعل بقية وقتك هذا لمعيشتك وقضاء حوائج الأهل. فإذا أذن العصر فتعوّد أن تتقدم للصلاة وصل قبله أربعا تفز برحمة ربك، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: "رحم الله امراً صلى قبل العصر اربعا"، صحيح الجامع. وفي الحديث الآخر: "من صلى قبل العصر اربعاً حرمه الله على النار"، صحيح الجامع. ثم امض جل وقتك في التلاوة والذكر غير ناسياً مراعاة أهل بيتك وولدك معيناً لهم على الطاعة قاضياً حاجتهم ومشاركاً في أعمال والخير. حتى إذا ما أقبلت ساعة الغروب تألمت لانقضاء يوم من أيام هذا الشهر المبارك وانقضاء يوم من أيام الله الفاضلة وأنا على يقين بتحسر أصحاب القلوب المستنيرة على فوات كل ساعة من ساعات شهرهم وودوا أن لوطال حتى يزدادوا قرباً من ربهم. لقد آذنت شمس هذا اليوم بالغروب وبين يديك ساعة مباركة قد جعل الله لك فيها دعوات مستجابة، جاء في الحديث الصحيح: "وللصائم عند فطره دعوة لاتُرد"، لقد علم الكريم سبحانه باشتداد جوع الصائم وعطشه وكيف يكون اضطراره لرحمة الله تعالى فوهبه عطاءً من عنده وجعل له دعوة مستجابة. تفرغ أيها المؤمن هذه الساعة، تفرغي يا أمة الله هذه الساعة، لنتفرغ جميعاً للدعاء، لنتفرغ جميعاً لإظهار الذل والفقر والحاجة لمولانا. كم لنا من حاجات وكم بين أيدينا من رغبات لنطرحها هذه الساعة، فالدعوة هنا لا تُرد. يحزن المرء كثيراً وهو يرى عامة الناس هذه الساعة في سوقهم ويألم وهو يعلم عن حال كثير من الأخوات وقد انشغلن هذه الساعة بإعداد سفر طعامهم. لنرتب جدولنا بحيث نكون هذا الوقت متفرغين فيه للدعاء، لنعوّد أبنائنا وندربهم على أن يتعلموا رفع أيديهم هذه اللحظات جميل أن ترى أهل البيت كل واحد منهم قد أخذ جانباً يدعو ربه ويسأل مولاه. إن الرحمات تكُثر هذه الساعة وإن العطايا تعظُم هذه اللحظة، فلنغتنمها بخير حال. بين المغرب والعشاء، اجعله لمؤانسة الأهل والأبناء، ادخل عليهم السرور لاطفهم ومازحهم، ذكرهم أحيانا بفضائل الصوم ومزايا الشهر الكريم، ان استطعت أن تجعل وقتاً، وليكن يسيراً من غير تطويل، لقراءة تفسير بعض الآيات وسير الصالحين في رمضان، فافعل، فإن لهذا أثر عظيم عليهم. فإذا أُذن لصلاة العشاء، لتكن أول المتقدمين وكن على يقين أنك كلما تقدمت كان هذا التقدم سبباً لحضور الخشوع في قلبك وحصولك على اللذة في الصلاة. إن صلاة التراويح رحمة من الله، فهي سببٌ لمغفرة الذنوب والخطايا، ففي الحديث: "ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، متفق عليه. وتأمل قوله، عليه الصلاة والسلام "من قام رمضان"، فدل هذا على أنه ينبغي قيام الشهر كله. وتأمل قوله "إيماناً واحتساباً"، لتراقب نيتك ولتعلم أن الله شرع هذه العبادة وأنك تفعلها طلباً للثواب وليس تقليداً وطلباً للمحمدة من الناس بل إنك ترجو بها ما عند الله من الخير وما أعده الله للطائعين المخبتين. أما بعد العشاء، فاجعله للصلة والبر والإحسان. صل قرابتك وزر جيرانك، شارك في أعمال البر، آنس أهلك واقض حاجتهم واحتسب في ذلك كله، فأنت في شهر تُضاعف فيه الحسنات.