كما في حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه عند الإمام مسلم في صحيحه، كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع نفر في أصحابه في المسجد فدخل قومٌ من مضر عليهم أثر الفاقة مجتابي النمار (أي: عباءاتهم وألبستهم مخرقة تظهر عليهم آثار الفاقة) فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم، أي تأثر من هذا المنظر، تأثر وجهه لما رقّ قلبه، تغيرت سحنته لما فاضت بالرحمة نفسه، ولم يكتف بذلك لكنه انتظر حتى دخل وقت الصلاة وصلى الناس، فلما اجتمعوا في الصلاة واصطفوا صفوفاً الكتف بالكتف والقدم بالقدم، مسلمون يسجدون لله الواحد الأحد يتراصون في صفوفهم وهذا غني وهذا فقير، قام بعد الصلاة فتحدث وخطبهم فيهم فقال بعد أن تلى آيات التقوى: (تصدق رجل من درهمه، تصدق رجل من ديناره، تصدق رجل من صاع بره، من صاع تمره)، حتى قال: (ولو بشق تمرة) فتسابق الناس، أي: ينفقون، فجاء رجل من الأنصار بكرة من ذهب كادت كفه أن تعجز عنها بل قد عجزت فتتابع الناس حتى اجتمع كومان من طعام وثياب، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة وقال: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً). أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغيث قلوبنا بالرحمة، وأن يملأ نفوسنا بالإنسانية، وأن يحقق فينا وبنا أخوة الإسلام، وأن يجعلنا أنصاراً لإخواننا ومعينين لهم وقائمين بالواجب نحوهم.