يعيش العديد من الشباب ظروفا اجتماعية صعبة دفعت بالكثير منهم للتفكير في الهجرة حتى وإن تطلب ذلك اللجوء الى طرق غير شرعية، الأمر الذي جعل كل واحد من المغتربين يعيش تجربته وطريقته الخاصة، فمنهم من وصل الى شواطئ الامان ومنهم من اخذت الامواج بقاربهم ولا خبر حتى اليوم عن جثثهم، ومنهم من تمكن من الوصول، لكن سرعان ما تتبعثر أحلامهم بعد اكتشاف البحرية خطتهم ولعل تجربة طه، الذي ينحدر من منطقة عين وسارة، تجربة حية جمعت بين هذه المغامرات حيث خطط للهجرة في سنة 1995 وعمره لا يتجاوز آنذاك ال19 سنة بسبب قساوة الاوضاع المعيشية التي لم يتحملها، خاصة وانه الابن الاكبر في العائلة وامام هذا الواقع الذي عاشه الشاب طه ولازال العديد من الشباب يتخبطون فيه، ارتأينا التقرب من طه، الذي فتح قلبه ل السياسي ليروي تجربته في بلاد المهجر والذي قال ليعلم كل شاب يفكر في الغربة، انه مهما وفرت لكم ديار الغربة، الا انها تحمل في طياتها العديد من المفاجأة التي لم تكن يوما في الاذهان . سوء الظروف الاجتماعية دفعني للحرڤة بدأ تفكير طه في الغربة وعمره لا يتجاوز ال19 سنة، بعد ان أدى واجبه في الخدمة العسكرية حيث قام بجمع بعض الأموال من اجل الحرڤة ، الا ان خطته هذه فشلت وقبض عليه من طرف الشرطة، وفي هذا الصدد، يقول طه إن فشل خطتي في مغادرة ارض الوطن سنة 1995 اشعلت فيّ نار الهجرة كلما تذكرت انني من عائلة فقيرة، فوالدي معاق وليس للعائلة دخل سوى منحة المعاق المقدمة من طرف الدولة، لكنها لا تكفي لحاجة الاسرة ومتطلباتها وفواتير السكن، وهو الامر الذي دفعني للتفكير في مغادرة الوطن بعد ان لاحظت انه لم يعد لي شيء هنا، خاصة وأنني لا املك شهادة قد تؤهلني للحصول على منصب عمل، كلها حقائق دفعتني للتفكير في الهجرة واملي كبير في العيش في اوروبا، كنت اطمح في ان اجد عملا واتقاضى به الاورو لأتمكّن من تمويل عائلتي في ارض الوطن، فقررت مع مجموعة من شباب الحي، ان نهاجر، فخططنا تقريبا للرحلة في شهرين وكنا فقط في انتظار اليوم الذي يكون فيه البحر هادئا، مرت الايام وبينما انا جالس بالبيت، جاءني اتصال هاتفي على الساعة الثانية زوالا يخبرني أننا اليوم سنهاجر على الساعة العاشرة ليلا وسنلتقي في المكان المحدد، فكان الاول من شهر مارس 1996 اليوم الذي ركبت فيه القارب نحو وجهتي الاولى سوريا وبعدها توجهت الى تركيا بغية الوصول الى فرنسا، فتوجهت نحو سويسرا حيث بقيت بعض الايام هناك وعشت كلاجئ سياسي وبعدها عملت على تسوية وثائقي كلاجئ سياسي ووفقت في ذلك ومن ثمّ خططت لرحلة أخرى بفرنسا . كنت في عداد الموتى.. بعد انقطاع أخباري حقّقت مرادي ورحلت إلى فرنسا، فانقطعت اخباري واتصالاتي بعائلتي حتى ظنوا أنني قد مت، فبعد هذه الفترة الطويلة، شعرت بالوحدة وآلام الغربة، الا ان تذكر اوضاعي المعيشية في وطني جعلني اتحمل قسوة ومرارة ذلك العذاب الذي بات يطبع يومياتي وحيدا مهموما لا اعلم شيئا عن عائلتي وخلاني، الامر الذي حولني إلى جثة هامدة لا انام من شدة الخوف والتفكير، وبعدها توجهت الى بيت عمي بفرنسا بعد ان تعرفت على احد اصدقائه هناك، الا ان المحزن في قصتي ان عمي، اخ والدي من لحمي ودمي، لم يتعرف عليّ، فأجهشت عينيّ بالبكاء لشدة الحزن الذي راودني وانا بحاجة ماسة الى احد اقاربي يؤنسني في ديار المهجر، وبعد ان تعرف عمي على قصتي بالكامل، قرر مساعدتي وتوصيل اخباري لعائلتي بمنطقة عين وسارة بالجزائر بعد ان كنت في عداد الموتى لانقطاع اخباري التي من شأنها ان تثبت انني على قيد الحياة، وبالرغم من كل هذا، بقيت اعاني في بلاد الغربة لانني لم اتمكّن من تسوية اوضاعي، فبقيت اصارع الوحدة والضياع مجهول الهوية في ديار المهجر . خاطرت بحياتي لإخراج عائلتي من تلك المحنة نتيجة اوهام الغربة التي كنت اعيشها في ظل المعاناة التي كنت اتكبدها في منطقتي بسبب سوء الظروف الاجتماعية، قررت في نفسي ان أقوم بالمستحيل لإنقاذ عائلتي من تلك الاوضاع، فتحملت الحر والبرد وأصبحت انام في الكارطون، وعملت المستحيل لأتحصل على بعض الدنانير لأرسلها لعائلتي حتى لا تشعر بمحنتي في الغربة وتحس بالفرح لمساعدتها في ظل تلك الايام القاسية، فاضطررت الى غسل الاواني والعمل كحمال لدى العائلات الفرنسية، هذا كله من اجل والدي اللذان تعبا من اجلي ولم يسعفهما الحظ في العيش الكريم في بلادنا، تم قمت ببيع الملابس في السوق من اجل الاسترزاق بالحلال وعدم إثارة المشاكل، فكنت كالمجاهد اعمل ليل، نهار من اجل توفير بعض الدنانير وادخارها لتوفير لقمة العيش لاخوتي الذين قهرهم الزمن، وبعد شهور عديدة وانا افترش الكارطون، قررت كراء بيت اتستر فيه، للتخلص من حياة الذل والهوان التي تمرمدت فيها، بسبب سوء الاوضاع الاجتماعية في ارض الوطن وهي من اهم الاسباب التي دفعت بالعديد من الشباب الى الهجرة، قصد الابتعاد كل البعد عن جحيم وآلام هذا الواقع والالتحاق بعالم الطيور، لتحقيق تلك الاوهام التي تدور في اذهان الكثير منهم امثالي، فتحملت آلام الهجرة التي أفقدتني طعم الاعياد التي كانت تلم شملنا في ارض الوطن بعد اوهام رسمتها صور اوروبا في مخيلتنا بعيدة بذلك كل البعد عن الواقع المعيش . قصة زواجي أغرب من الخيال سعيت جاهدا لبناء مستقبل زاهر، فأجريت تربصا في ميدان تركيب السيارات وبدأت العمل بعقد دائم لمدة 6 اشهر، وبعد 10سنوات من إقامتي بفرنسا، بقيت افكر في تسوية اوضاعي، وفي سنة 2002، بعثت برسالة الى عائلتي لأطمئن فيها عليهم واطمئنهم عن حالتي ببلاد المهجر، ومن ثمّ، بدأت أفكر في وضع حد لعزوبيتي والبحث عن شريكة الحياة، التي لم اجدها في طول وعرض ديار الغربة وهي الفتاة التي دفعتني نحو القفص الذهبي طائعا مختارا ، ليضيف بعد ذلك طه قائلا هذا لا يعني أن الفتيات المغتربات غير مؤهلات للزواج، لكنني كنت أريد زوجة غير عاملة تتفرغ لبيتها وأبنائها، بينما أقوم أنا بما تبقى من مسؤوليات، لهذا لم أوفق في الحصول على بنت حلال ترضى بهذه الشروط، فكلهن موظفات وليس لديهن استعداد للتضحية بالوظيفة، وعليه، طلبت مساعدة الاهل لخطبة احدى قريباتي من منطقتي عين وسارة، فكانت قصة زواجي اغرب من الخيال ، ويسترسل طه كلامه وهو يضحك تقدم والدي لخطبة قريبتي وانا في المهجر، لانه لا يمكن ان اعود الى ارض الوطن بسبب وضعيتي في ديار الغربة، كنت اعيش هناك دون وثائق هوية ثتبث إقامتي كمواطن عادي في ذات البلد، لانني كنت اعيش هناك كلاجئ سياسي، وبعد فترة، تم القران بعقد شرعي وانا غائب ومن ثمّ، وصل وقت العقد المدني ولازلت في فرنسا، فاتصلت بوالدي قصد بعث خطيبتي الى سوريا او تونس من اجل العقد المدني، فمر كل شيء بسلام وقمت بتسوية اوضاعي بفرنسا، وبعد شهرين، تم اجتماع شمل اسرتي في فرنسا وكان هذا في سنة 2004 واكتمل الحلم الذي طالما حلمت به، الا ان تفكيري بقي دوما في عائلتي لتحقيق الاهداف التي هاجرت ارض الوطن من اجلها، وهو الامر الذي لم يترك فرحتي تكتمل على ارض الواقع . معاناة عائلتي أجبرتني على البقاء في المهجر بعد تسوية اوضاعي وتكوين اسرتي في بلاد المهجر، قررت العودة الى ارض الوطن ثانية بدافع الشوق الذي ظل يراودني طيلة 10 سنوات وحيدا في ديار الغربة بعيدا عن الأهل والخلان، فقمت بزيارة مفاجئة الى وطني الحبيب، حيث تفاجأ اهلي بتلك الزيارة ولم اصدق حينها انني في ارض بلادي بين احضان امي الحبيبة التي ربتني وكبرتني حتى صرت رجلا والأدهى في ذلك أنني لم أكن انام طيلة تلك الايام وكنت افضّل البقاء مستيقظا حتى أتمكّن من سرد قصتي لامي، التي فارقتها عيناي وانا في عمر الزهور والاغرب اثناء عودتي الى البيت العائلي، أنني لم اتعرف على افراد عائلتي وكنت اخلط بين إخوتي الذين تركتهم صغارا، وبعد أيام قليلة، قررت العودة إلى فرنسا بغية الوصول إلى الهدف المنشود الذي لجأت من اجله إلى ديار المهجر عبر قوارب الموت غير مبال في ذلك بكل ما قد أصطدم به من مشاكل، قصد النهوض بالواقع الاجتماعي الذي كانت تعيشه عائلتي بالخصوص امام تدهور الدخل الاجتماعي لعائلتي، فعزمت في نفسي ان اعمل طيلة حياتي من اجل والديّ اللذان ربياني وتعبا من اجلي، والأمر الذي هز نفسيتي، عندما وجدت والدي مقعدا في الفراش وهو ما دفعني للاستقرار بديار الغربة، بالرغم من آلام الهجرة التي عشتها ولازلت أعيشها لتحسين وضعية عائلتي بالبلد، لكن كل ما يمكن قوله انه ومهما كتبت عن الغربة، لن تستطيع وصفها، فهو شعور لن يشعر به سوى المغترب، الا انني أعترف على أنها أعطتني الفرصة لإعالة عائلتي بأرض الوطن في وقت كانت فيه كل الأبواب موصدة في وجهي .