كما حرَّم الله على عباده المؤمنين التجسُّس: وهو تتبُّع عورات المسلمين خفية دون علمهم، والتنقيص من كراماتهم والتشهير بهم لأي سبب كان. ويأتي التجسُّس في المرتبة التالية لسوء الظنِّ، وبه يخرج صاحب الظنِّ السيء من دائرة التفكير الداخلي الضمني، إلى حيِّز العمل والسلوك الحسِّي الخارجي، فيعمد إلى هذا التصرُّف بحثاً عن النقائص وسعياً وراء إبراز الأخطاء ونشرها. إن القرآن الكريم يحارب هذا السلوك الدنيء من الناحية الأخلاقية، ويدعو إلى تطهير القلب من هذا المرض تمشِّياً مع أهدافه وروحه، فقد أخرج أبو داود وغيره عن أبي بَرزة الأسلمي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه، لا تتَّبعوا عورات المسلمين، فإنَّ من تتبَّع عورات المسلمين، فضحه الله في قعر بيته . ويحذِّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الأمراض الفتَّاكة الَّتي إن حاقت بالمجتمع مزَّقته، وإن تخلَّلت صفوف الأحباب باعدتهم، فنهانا عن التجسُّس، وعن التحسُّس (هو الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون، أو التسمُّع على أبوابهم)، وحذَّرنا من التباغض، والقطيعة؛ فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إيَّاكم والظن، فإن الظنَّ أكذب الحديث، ولا تجسَّسوا ولا تحسَّسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام .