أدلى السفير الفرنسي بكندا السيد نيكولا شابوي بحديث لموقع ( 45eNord.ca ) جاء فيه أن منطقة الساحل أصبحت تشكل عبءا ثقيلا ومكلفا لفرنسا ... وأراد أن يكون دقيقا في تحديد منطقة التدخل التي باتت ثقلا على فرنسا وميزانيتها فقال : إنها الحدود الكاميرونية النيجرية للتصدي لبوكو حرام ، وفي جنوب ليبيا وحتى في جنوبالجزائر، إذ لا يجب أن ننسى أننا فقدنا رهينة ( هو يقصد بالتأكيد متسلق الجبال هارفي قوردال الذي إختطفته جماعة إرهابية في منطقة القبائل وليس في الجنوبالجزائري) . ودعا السفير الفرنسي كنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا إلى مساعدة فرنسا عسكريا في هذه المهمة ؟ . العربي ونوغي بالتأكيد أن سعادته لا يجهل أن منطقة جرجرة هي في أقصى شمال الجزائر وليست في الجنوب ؟. المهم بالنسبة إليه أو بالنسبة لمن أمضى الأمر للسفير على أن يصرح على هذا النحو والشكل ، هو أن يحشر ويدخل الجزائر في دوامة المناطق غير المستقرة ، وبالتالي في دائرة الدول التي يمكن أن تكون منطلقا لتهديد السلم والأمن العالميين . ألفنا سماع وتكرار مثل هذه التصريحات منذ التسعينات . ويبدو أن سعادة السفير إختلطت في " رأسه " ولم يعد يختار كلماته . ربما لأن التعليمات التي تلقاها لم تترك له فرصة مراجعة الخريطة الجزائرية ، أي تحديد مناطق الشمال ومناطق الجنوب ؟. الحمد لله على الأقل أن سعادته لم يضع الجزائر في غرب إفريقيا . توزيع الأدوار أو " الضغوط الذكية " موازاة لتصريح السفير الفرنسي بكندا ، جاء تصريح في إتجاه معاكس لوزير فرنسي سابق أصبح رجل أعمال وهو السيد أرنو مونتبورغ الذي يقول : يجب طي صفحة مرحلة الإستعمار ومحوها من الذهنيات والرؤوس ، والإتجاه سويا إلى المستقبل في علاقة تعاون من منطلق " رابح / رابح " . هذان التصريحان ، للسفير نيكولا والوزيرالسابق أرنو ، هما بالتأكيد الوجه الحقيقي والفعلي للسياسة والديبلوماسية الفرنسية . التي تعتمد في الغالب إستراتيجية توزيع الأدوار . ما يشبه سياسة " الجزرة والعصا " . أو ما يطلق عليه بعض خبراء الإقتصاد والسياسة : " توفير الظروف الإلزامية للوصول إلى إستجابة طوعية " أي منطق " الضغوط الذكية " لتحقيق مصالح إقتصادية وإستثمارية وتجارية ، وحتى لإنتزاع مواقف سياسية لدعم توجهات أو قضايا وملفات معينة . وليس مهما بعد ذلك إعتماد خطاب مزدوج أوتصريحات متناقضة ومفبركة ، إذ يبقى المهم هو تحقيق المصالح والأهداف المسطرة بأي وسيلة كانت . هم ينطلقون من أن السياسة لا ترتبط بالأخلاق . وأن الغاية تبرر الوسيلة . لا نريد أن نسجن أنفسنا في الماضي ، لكن دون إلغائه فرنسا ظلت على الدوام فيما يبدو ونفهم ، رغم تبدل ألوان وإنتماءات حكوماتها ورؤسائها ، تنظر إلى الجزائر ك " ملكية خاصة " حتى لا أقول " مزرعة " أو تحصيص مفاتيحه لدى حكام فرنسا ، على الأقل في زوايا الظل أي بعيدا عن المواقف والتصريحات الرسمية . والمؤسف أن هذا الإعتقاد الفرنسي الذي يشبه التحصيص الدولي فوت فرصا إقتصادية كثيرة عن الجزائر . وعطل إنفتاحنا على الدول الأخرى بشكل صريح ، في حالة تكاد تشبه القيود أو منطق تفادي الخيانة الزوجية ، رغم أن العقد الفعلي الوحيد الذي يربطنا مع مستعمرنا القديم والذي يعلمه كل الجزائريين هو 132 سنة من الإستعمار المبنية على سياسات التفقير والتجهيل والإبادة ، والتي هي السبب الرئيسي لما نحن عليه من تخلف . ماعدا ذلك فهي عقود تجارية ومواقف سياسية متجددة ، في مد وجزر على الدوام ، بسبب تنكر الحكومات الفرنسية لماضيها في الجزائر . عدم الإعتراف بذلكم الماضي ، ورفض الإعتذار ، لم يمنع الجزائريين أو على الأقل غالبية منا من طي الصفحة على مرارة جراحها ومآسيها ومخلفاتها ، لأن العالم يتغير بسرعة من حولنا ، ولا أحد يريد أن يسجن نفسه وشعبه وأفكاره في الماضي فحسب ، لأن سنة الله في عباده وكونه هي التغيير . حتى وإن كانت رغبة التغيير لا تعني الإلغاء أو التنكر للماضي ولو من باب التاريخ والإعتبار في أقل الحالات . طي الصفحة والإتجاه إلى شراكة تعاونية ندية بيننا وبين الذين كان أجدادهم وآباؤهم جلادونا بالأمس أصبح أمرا مستلزما لإعطاء دفع للتنمية وللنهوض الإقتصادي . شراكة ندية وليس بمفهوم " ولي الأمر " لكن ما يستوقفنا ، أن رغبة إقامة شراكة فعلية مع فرنسا لا يجب أن تكون بمفهوم " الوصي " . لأن دولا عديدة ظلت مترددة في دخول السوق الجزائرية تفاديا لإحراج فرنسا ؟ بما في ذلك بعض الدول الكبرى إقتصاديا . بريطانيا وألمانيا والبلدان الإسكندنافية واليابان ، أو الولاياتالمتحدةالأمريكية على سبيل المثال ، ظلت ( إذا إستثنينا قطاع المحروقات طبعا )غير مهتمة إلى وقت قريب ، بدخول السوق الجزائرية لإقامة شراكات متنوعة . وإذا كنا نجد تفهما أو تبريرا لذلكم التردد أو التحفظ أيام إنقسمت دول العالم بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي ، وكانت الجزائر تحسب وتدرج في المعسكر الإشتراكي معلنة أن الإشتراكية خيار لا رجعة فيه ( ؟ ) فإن ذلك لم يعد مفهوما أو مبررا بعد إنهيار المعسكر الشرقي وتفتت دوله وإنهيار سور برلين ؟ . ومع ذلك أقول ، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقود العالم إقتصاديا وعسكريا لم تسارع لدخول السوق الجزائرية وظلت متحفظة ومترددة ، وكأن ذلك يندرج فيما سبقت الإشارة إليه على أن الجزائر " ملكية فرنسية " يحتاج الدخول إليها أو الإستثمار فيها إلى إذن وترخيص مسبق من باريس أو من المستعمر القديم ؟. ربما هي الصورة التي ألصقتها الحكومات الفرنسية المتعاقبة ببلادنا والإنطباع الذي يكاد سائدا لدى عديد الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية ، بل حتى لدى البلدان الخليجية إلى وقت قريب . الإستثمارات الخليجية عديدة ومتنوعة لدى جيراننا على سبيل المثال . وظلوا يتطلعون إلى السوق الجزائرية بإستمرار ومنذ زمن بعيد . لأن إستشرافاتهم الإقتصادية والتجارية والسياحية أثبتت أن إغراءات السوق الجزائرية مربحة لما توفره من إمكانيات . أردت أن أبرز أن " الحصار الفرنسي " المضروب على السوق الجزائرية بطرق وبأساليب مختلفة مباشرة وغير مباشرة ، هو أحد أسباب تخلفنا الإقتصادي ، إذ حال دون إنفتاحنا وإقلاعنا التنموي وتنوع شراكاتنا الإقتصادية والتجارية . إذا أردنا أن نعلق على تصريح السفير الفرنسي بكندا نقول يمكن إعتباره " لاحدث " . إذ لا يمكنه أن يحرك أو يؤثر قدر أنملة في مواقف الديبلوماسية الجزائرية أو توجهاتها الإستراتيجية الجديدة في الإنفتاح السياسي والديبلوماسي والإقتصادي . لأن مثل هذه التصريحات " الإستفزازية " أو هذه الضغوط المقنعة صارت مألوفة ومبتذلة من مسؤولين فرنسيين دأبوا على هذه السيناريوهات و " الفبركات ". لسنا بحاجة إلى أن تملي علينا فرنسا علاقاتنا وإختياراتنا وسياساتنا . وليست فرنسا التي تملي علينا ما يجب أن نفعل وما لا نفعل . نحن لا نفهم لماذا يتصرف سياسيوهم وسفراؤهم بهذا الشكل ؟ . كلما حاولنا الإنطلاق نحو مستقبل إقتصادي وسياسي وتعاون متعدد الجوانب على أساس الندية والإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة ، يخرج علينا مسؤول منهم بتصريحات" إستفزازية " تجعلنا نطرح أسئلة جدية : ماذا يريدون ؟ . وماذا يجب أن نفعل لنيل رضاهم ؟ . فهل نتبع ملتهم ؟ . في فرنسا يعيش أكثر من أربعة ملايين من أصول جزائرية ، سواء من المهاجرين الحاملين للجنسية الجزائرية ، أوفرنسيين من أصول جزائرية ، أو حتى من الفرنسيين المولودين في الجزائر قبل الإستقلال ، وكثير من هؤلاء لهم علاقة إنتمائية عاطفية بالجزائر ، وكذلك ذوي الزواج المختلط . أردت أن أقول ، أن علاقاتنا مع فرنسا محكمة بروابط إنسانية وإجتماعية وتاريخية يصعب تفكيكها أو التنكر لها أو تجاوزها . تنضاف طبعا إلى تأثيرات التاريخ بإيجابياته وسلبياته . هذه المعطيات وغيرها لابد أن تؤخذ في الحسبان على الدوام وفي مسعى بناء تعاوننا وفي كل علاقاتنا ومواقفنا مع باريس . الديبلوماسية المتسرعة غير مرادفة للدولة القوية دون أن ننسى أيضا أن فرنسا دولة قوية إقتصاديا لها وزنها في الخريطة الجيوسياسية الدولية . ولها كلمتها المسموعة والمؤثرة في المواقف والقرارات الدولية . إذ هي عضو بارز وفاعل في مجلس الأمن وفي مجموعة الثمانية . دولة بقوة فرنسا ، المفروض أن تواكبها ديبلوماسية إستشرافية قوية ومتوازنة . فرنسا أنجبت ديبلوماسيين كبارا . وكفاءات مشهودا لها بالخبرة والذكاء . لكن ما نلاحظه وسجلناه في العقدين الأخيرين يثير تساؤلات جدية حول إنتكاسات الديبلوماسية الفرنسية التي تورطت في شرنقة عدة ملفات وقضايا حتى لا أقول في أخطاء . منها التدخل العسكري المتسرع في ليبيا الذي نجمت عنه فتنة لم تخمد إلى اليوم ، بل باتت تهدد الأمن والإستقرار العالميين. ثم تبين بعد ذلك أن المتسرعين للتدخل العسكري كانوا قبل ذلك قد إستفادوا من تمويل مالي لحملتهم الإنتخابية الرئاسية من طرف العقيد المطاح به بعد ذلك ، والتي أصبحت فضيحة أمام أروقة المحاكم . تماما كتسرعهم في التدخل العسكري في مالي وفي بلدان ساحلية أخرى . دون أن يحقق ذلكم التدخل السلم والأمن ، بل أدى إلى فوضى وحروب أهلية تحاول الجزائر إطفاءها ، وإصلاح ما أفسده الفرنسيون وغيرهم . وشواهد التسرع الفرنسي عديدة ومتنوعة . ولسنا بحاجة إلى تذكيرهم بتيبحرين ومسلسل " من يقتل من ؟ " وفيلم إختطاف الطائرة عام 1994 لإعلان الحصار الجوي بعد ذلك بتوقيف رحلات " فرانس إير" وإستضافة الفارين من الفيس والجيش . ثم بإسم حرية التعبير والرأي أعطوا كل الوسائل والإمكانيات لإشعال نار الفتنة في سنوات الدم والجنون . ثم تيقنتورين وآخرها الجنوب . لنا تاريخ مع باريس ومع عواصم التواطؤ . لقد حذرت الجزائر علانية ، في مناسبات عديدة ومن منابر أممية مختلفة من عواقب التسرع والقرارات الإرتجالية في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي مالي وفي الصومال ... وأن الحوار هو الحل . لكن الذين كانت تحركهم مصانع السلاح ومناطق النفوذ والمصالح الإنتفاعية ولوبيات المال ومافيا السلاح دفعوا إلى إستصدار قرارات التدخل العسكري ، غير آبهين بتحذيرات الجزائر، وإنتهينا إلى ما نحن عليه اليوم . الجزائر تسعى إلى فك قيود الإحتكار تدريجيا بتنويع شراكاتها وتنويع إقتصادياتها في إنفتاح أوسع على كل الدول التي ترغب في إقامة شراكة ندية مع الجزائر في إطار واضح المعالم والأهداف . وظل مسؤولوها يكررون من عديد المنابر الدولية بأن الجزائر قاومت الإرهاب لوحدها وإنتصرت معتمدة على جيشها ومصالحها الأمنية ورجالها الواقفين وقواها الوطنية ، حين كان البعض غير مبال أو غير واع بخطورة الأمر أو حتى متواطئا يصب الزيت على نار مشتعلة لحسابات مصلحية وإنتفاعية ظرفية . عاشت الجزائر حصارا فظيعا غير مسبوق حتى من أولئك الذين كانوا مستفيدين من قبل من خيرات الجزائر وثرواتها . بالتأكيد أن هذا التوجه والإنفتاح لا يعجب الذين ألفوا أوترسب في أذهانهم على أن الجزائر " ملكية خاصة " محرم على غيرهم دخولها . تم فتح السوق الإقتصادية الجزائرية أي مجالات التعاون التجاري والصناعي والسياحي والفلاحي ، أمام الجميع وفق قاعدة 51 /41 . وإذا نجح المسعى وتحقق الإقلاع التنموي المرجو فإن هذا يعني نهاية إحتكار الإقتصاد الجزائري من طرف شركات أجنبية بعينها أو دول بعينها للسوق الوطنية وإحكام الغلق أمام الآخرين كما كان الوضع سابقا . ثم في أوقات المحن والأزمات يفرون متنكرين لكل ما نالوا من إمتيازات هكذا فعلوا في التسعينات . وهكذا هم اليوم يحاولون إحتكار السوق الجزائرية بإختلاق كل الأسباب المنفرة والمقلصة لرغبات الإستثمار والمجيئ إلى الجزائر. وإلا بماذا نفسر خرجاتهم من حين لآخر بتحذير مواطنيهم من التنقل إلى الجزائر؟ . إن أسلوب زرع الخوف والرعب في نفوس مواطنيهم ومستثمريهم فزاعات يتم إستخراجها كل مرة وتندرج في إطار إستراتيجية ومخططات مدروسة أهدافها لم تعد تخف عن الجزائريين جميعا وليس حكامهم ومسؤوليهم فحسب . مراجعة قانون الإستثمار هو حل مستعجل الجزائر سوق واعدة ومربحة هم يدركون ذلك . سوق متعددة الإغراءات والإمكانيات . لكن معوقات كثيرة مازالت تثبط الرغبات وتحول دون الإقبال المرجو للإستثمار في بلادنا . في مقدمة إنشغالات المستثمرين الوطنيين والأجانب على حد السواء كثرة التعقيدات والإجراءات البيروقراطية في ملفات المناقصات والعروض . وتشكل قوانين البنوك والجمارك والضرائب وشبكات الطرق والسكك الحديدية والموانئ وحتى تكنولوجيات الإتصال الحديثة سيما تدفق الأنترنيت والتغطية الهاتفية ،،، هي الأخرى أسباب يتحجج بها المستثمرون كل مرة . لذلك فإن التعجيل بإصدار قانون إستثمار جديد كفيل بإعطاء دفع أقوى للنمو الإقتصادي ووتيرة الإستثمار وتنوعه . الحكومة مطالبة برفع كل الحواجز البيروقراطية والعقارية ، لأن السيولة والتسهيلات المالية متوفرة وتحتاج فقط إلى مرونة أكبر في مجالات التعامل ، حتى تخرج القوانين من أدراج الأوراق إلى مجالات التطبيق .